وجد لنفسه وبنفسه ، لزم أن لا يكون للقادر فيه أثر ، وذلك يقتضي نفي التأثير ، ونفي المؤثر ، وذلك باطل. فيثبت بهذا : أن إيجاد الموجد له ، مغاير لوجوده في نفسه.
وذلك الإيجاد والتكوين ليس هو نفس القدرة ، وذلك لأن القادر قد يكون قادرا على أشياء مع أنه لا يوجدها ، ألا ترى أنه تعالى قادرا على خلق شموس كثيرة ، وأقمار كثيرة ، مع أنه تعالى ما خلقها. فهو قادر عليها وغير خالق لها ، فيثبت بهذا : أن التكوين صفة مغايرة للقدرة ، ومغايرة للمكون وذلك هو المطلوب.
وأما الذين قالوا : التكوين لا يجوز أن يكون غير المكون ، فقد احتجوا عليه : بأن التكوين لو كان غير المكون ، لكان ذلك التكوين إما أن يكون قديما أو محدثا ، فإن كان قديما لزم من قدمه قدم المكون (١) ، لأن التكوين إنما يصدق مع حصول الكون. ألا ترى أنه ما دام الفعل يكون باقيا على العدم الأصلي ، فإنه يصدق على ذلك القادر أنه ما أثر فيه ، وما كونه ، وما تصرف فيه. فيثبت أن التكوين لا حصول له إلا عند حصول المكوّن ، فلو كان التكوين قديما لزم أن يكون المكون قديما ، وذلك يوجب قدم العالم. وإما إن كان التكوين حادثا ، افتقر تكوينه إلى تكوين آخر ، وذلك يوجب التسلسل ، وهو محال.
فهذا خلاصة ما في الموضع (من المباحث العقلية ، وستكون لنا عودة إلى هذا البحث في الكتاب المشتمل على الحدوث والقدم. وبالله التوفيق) (٢).
__________________
(١) المكون (م) المعلول (س).
(٢) من (م ، ت).