الاحتراز عن العقاب أو لا نقضي بذلك؟ فإن قضي بذلك ، فالحسن والقبح العقليان قد ثبتا ، وإن لم يقض عقله بذلك فحينئذ يحتاج إلى أن يوجب الشرع عليه الاحتراز عن العقاب. والكلام فيه كما في الأول ، فيلزم التسلسل ، وهو محال.
والثالث : إنه لا شك أن عندنا مطلوبا أو مكروها. ولا يجوز أن نقول : إن كل مطلوب أو مكروه (١) إنما كان مطلوبا أو مكروها لأجل شيء آخر ، وإلا لزم التسلسل أو الدور ، فلا بد من الاعتراف بوجود شيء يكون مطلوبا لذاته ، وبوجود شيء يكون مكروها لذاته. ثم لما تأملنا علمنا : أن اللذة والسرور مطلوبتان بالذات. وأن الألم والغم مكروهان بالذات. فهذا الحكم ثابت في محض العقول ، سواء حصلت الشريعة أو لم تحصل فيثبت بما ذكرنا : أن العقل يقضي بحسن بعض الأشياء وبقبح بعضها. فهذه الوجوه دالة على أن الحسن والقبح بمقتضى العقل في حق العباد (معتبر) (٢).
وأما إثباتهما في حق الله تعالى ، فنقول : هذا محال (٣) ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : أن الذي عقلناه من معنى الحسن ما يكون نفعا ، أو مؤديا إليه ، والذي عقلناه من معنى القبح ، ما يكون ضررا أو مؤديا إليه ، والرغبة في المنفعة ، والرهبة عن المضرة إنما يعقل (حصولهما) (٤) في حق من يصح عليه النفع والضرر. ولما كان ذلك في حق الله تعالى محالا ، كان القول بثبوت الحسن والقبح في حق الله محالا.
قالت المعتزلة : كون الشيء حسنا أو قبيحا. أمر مغاير لكونه منشئا للمنفعة والمضرة. والدليل عليه : أن النافع قد يكون قبيحا ، والضار قد يكون حسنا ، أما أن النافع قد يكون قبيحا ، فلأن الظلم نافع في حق الظالم مع أنه
__________________
(١) أو مكروه (س).
(٢) زيادة.
(٣) هذا محال من معنى الحسن ويدل عليه وجوه (م).
(٤) من (س).