معتبرا ، لكان الواجب اللازم ترك التكليف.
الوجه الرابع في إبطال هذا الكلام : إن ما ذكرتموه إنما يستقيم إذا كان العبد مستقلا بالفعل والترك أما لما لم يثبت أن عند حصول القدرة والداعي يجب الفعل ، فإنه لا يبقى لهذا الكلام فائدة.
وأما الوجه الثاني وهو قوله : المنفعة المستحقة أفضل.
فجوابه من وجوه : الأول : إن كون العبد مستكفيا من إنعام مولاه ، مفيد جدا. ولذلك فإن العبد إذا اكتسب بسعي نفسه مائة دينار ، وخلع عليه السلطان الأعظم خلعة تساوي مائة دينار ، فإن كل أحد يرجح هذه الخلعة على ذلك المال.
الوجه الثاني : إن ابتداء الخلق لا بد وأن يقع على سبيل التفضيل. فإن كان إيصال التفضيل إليه يوجب نوعا من أنواع الضرر ، لزم أن يقبح ابتداء الخلق والتكوين.
الوجه الثالث : إذا كلفه فإن أطاع استفاد هذه الفائدة التي لا يلزم من فواتها فوات أمر مهم ، وإن لم يطع وقع في العذاب العظيم. وقد بينا أن مقتضى العقل في هذه الصورة : الترك.
وأما الوجه الثالث : وهو إيصال اللذة والسرور (إليه من الدار الآخرة ، مشروط بهذا التكليف فجوابه : إن وجود اللذة والسرور) (١) ممكن في ذاته. والله تعالى قادر على كل الممكنات ، فكان قادرا على إيجادهما من غير واسطة هذه التكاليف.
وأما مذهب الحكماء : فغير وارد على هذا الكلام لأن عندهم الثواب والعقاب لا يحصلان بقصد الفاعل المختار وبتكوينه ، بل هما نوعان من لوازم الأفعال البشرية. وذلك قول صحيح معلوم لكن تفريعا على القول بأن إله العالم موجب بالذات : أما على التفريع بأن إله العالم فاعل مختار وأنه باختياره يخص
__________________
(١) من (م ، س).