الكافر بالإيمان أمرا بإعدام علمه ، وكما أنه لا يليق به أن يأمر عباده بإعدام ذاته ، فكذلك لا يليق به أن يأمرهم بإعدام علمه ، لأنه كما أن إعدام ذاته محال (فكذلك إعدام علم الله محال) (١) فلا جرم لم يرد الأمر به ، فكذلك إعدام علمه محال ، فوجب أن لا يرد الأمر به، وحيث ورد الأمر ، بهذه الأفعال ، علمنا أن العلم والخبر لا يمنعان من الفعل.
الحجة الخامسة : الإيمان في نفسه من قبيل الممكنات والجائزات (نظرا إلى ذاته ، فوجب أن يعلمه الله تعالى من الممكنات الجائزات) (٢) إذ لو لم يعلمه كذلك لصار ذلك العلم جهلا ، وهو محال. وإذا علمه الله من الممكنات الجائزات التي لا يمتنع وجودها وعدمها البتة ، فلو صار بسبب ذلك العلم واجبا ، وجب أن يكون ذلك العلم موجبا ، لكونه من الممكنات ، ولكونه من الواجبات فيجتمع النقيضان ، وهو محال.
الحجة السادسة : إن الأمر بالمحال سفه وعبث ، فلو جاز ورود الشرع به ، لجاز أيضا وروده بكل أنواع السفه ، وحينئذ يلزم أن لا يمتنع وروده بإظهار المعجز على الكاذبين ، وأن لا يمتنع أيضا أن لا يفي بوعده ووعيده وحينئذ تبطل النبوة والتكليف.
الحجة السابعة : لو جاز ورود الأمر بالمحال (٣) في هذه الصورة لجاز أمر الأعمى بنقط المصاحف ، وأمر الزمن أن يطير في الهواء ، وأن يقال لمن قيد يداه ورجلاه ، وألقى من شاهق جبل : لم لم تطر إلى السموات؟ ولمّا لم يجز شيء من ذلك في العقول. علمنا أنه لا يجوز الأمر بالمحال ، وذلك يدل على أن العلم والخبر غير مانع من الفعل.
الحجة الثامنة : إنه لو جاز ذلك لجاز بعثة الأنبياء إلى الجمادات ، وإنزال الكتب عليها ، وإنزال الملائكة لتبليغ التكاليف إليها حالا بعد حال ، ومعلوم أن ذلك سخرية واستهزاء بالدين.
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) بالمحال من (س).