البتة. وإنما يحدث العلم بها عند حدوثها وذلك لأن ذاته تعالى توجب حصول العلم بالمعلوم، لكن بشرط حصول ذلك المعلوم على ذلك الوجه ، فإذا حصل ذلك المعلوم على ذلك الوجه ، فقد حصل الموجب مع شرط الإيجاب. فلا جرم يحدث ذلك العلم. وإذا منعنا كونه تعالى عالما بهذه الجزئيات في الأزل. فقد زال هذا الإشكال.
وهذا منتهى البحث في هذا الباب.
واعلم ان الجواب الأول من هذه الأجوبة الثلاثة في غاية الضعف. وذلك لأنهم إذا أرادوا : أن النفي والإثبات باطلان في نفس الأمر ، كان هذا قولا بإثبات واسطة بينهما. وبديهة العقل دافعة لذلك. وإن أرادوا به : أنهم لا يذكرونه باللفظ واللسان ، فالإلزام ما ورد على لفظهم وكلامهم. وإنما ورد على هذا البحث في نفسه.
أما الجواب الثاني : فهو أيضا في غاية الضعف. وذلك لأنه لا نزاع أنه متى كان الواقع هو صدور الإيمان عن العبد كان الواقع هو علم الله بوجود الإيمان. ومتى كان الواقع هو صدور الكفر عن العبد كان الواقع هو علم الله بوجود الكفر. إلا أن هذه القضية شرطية.
فإن قولنا : إن كان الصادر عن العبد كذا ، كان الحاصل في حق الله هو العلم بكذا. لا شك أنه قضية شرطية ، إلا أنه نقول : هل حصل لله تعالى علم بوقوع أحد الطرفين أو لم يحصل؟
فإن لم يحصل فهذا هو قول هشام بن الحكم ، وإن حصل فنقول : لما كان العلم في نفسه واقعا على وجه خاص وكونه علما مشروط بكونه (١) ذلك العلم ، فلو تغير المعلوم لزم لا محالة تغير العلم وهو محال من وجهين : الأول : إن انقلاب علم الله جهلا : محال. والثاني: إن علم الله ، كان علما قبل تغير هذا المعلوم (فعند تغير هذا لمعلوم ، يلزم أن ينقلب ذلك العلم عن كونه علما في
__________________
(١) بوقوع (س).