ومقاصدها ، والأمور إنما تعتبر بخواتيمها ، فهب أنه سبحانه سوى بين الكل في جميع هذه الأمور لكن لما كان المقصود من جميع هذه الأمور وصول العبد إلى الخيرات والسعادات ، وعلم الله سبحانه أن هذا المقصود لا يحصل ، بل الحاصل ضده ، وهو الضرر الدائم ، والعقاب الشديد في الدنيا وفي الآخرة. مثل أن يكون الكافر فقيرا أعمى ، مبتلي بأنواع المحن، والآلام في الدنيا ، ثم لما مات نقل إلى الدرك الأسفل من النار ، فهذا الإنسان لم يستفد من هذه الحياة ، ومن هذا التكليف إلا العناء والبلاء ، والشدائد والمكاره في الدنيا والآخرة. وإذا كان كذلك فالإله الخالق العالم بعواقب هذه الأمور ، علم أن تعريضه إياه للمنافع العالية لا يفضي إلى حصول شيء منها ، فكان ذلك التعريض توسلا إلى تحصيل المطلوب بوسيلة حصل الجزم بأنه لا يفضي إليها ، بل يفضي إلى أضدادها ، والإقدام على مثل هذه الوسيلة قبيح في العقول. فلو كان حكم العقل بالتحسين والتقبيح معتبرا في أفعال الله ، وفي أحكامه لوجب قبح التخليق وقبح التكليف. وحيث لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أن العقل معزول عن الحكم بالتحسين والتقبيح في أفعال الله وفي أحكامه. وهو المطلوب.
الحجة الثانية : لو كان تقبيح العقل وتحسينه معتبرا في أفعال الله وفي أحكامه لزم أن يقبح منه الخلق. وذلك باطل. فهذا باطل. بيان الشرطية : أن الأحداث إما أن يكون لنفع ومصلحة ، أولا لمصلحة .. والأول باطل. لأن ذلك النفع إما أن يكون عائدا إلى الخالق أو إلى المخلوق.
والأول : باطل لوجهين : الأول : إن ذلك يوجب كونه تعالى محتاجا وهو محال. والثاني : إن تلك الحجة إما أن تكون قديمة أو حادثة ، فإن كانت قديمة وجب أن يحصل تخليق العالم قبل ما وقع ، لأن المقتضى للتخليق ، لما كان هو تلك الحاجة وكانت تلك الحاجة حاصلة قبل ذلك الوقت ، فحينئذ يكون المقتضى لحدوث ذلك الحادث حاصلا قبل حدوث ذلك الحادث ، سليما عن المعارض. فوجب أن يحدث ذلك الحادث قبل أن يحدث وذلك محال. وإما إن كانت الحاجة حادثة عاد الكلام في المقتضى لحدوث الحاجة ، ولزم التسلسل.