فتعذيبه عليه يقتضي إلحاق أعظم المضار به ، لأجل أنه قصر في تحصيل منفعة غير ضرورية لنفسه. ومعلوم أنه متناقض.
وأما القسم الثالث : وهو أن يعذبه الله تعالى لأجل أن يحصل بواسطته نفع لغيره. فهذا محض الظلم ، لأن الظالم لا يفعل شيئا إلا أن يلحق الضرر بغيره ، لأجل أن يلحق النفع بنفسه. والله متعالي عن الظلم.
وأما القسم الرابع : وهو أنه تعالى يلحق العقاب بهذا العبد ، لا لشيء من هذه الأقسام الثلاثة. فهذا أيضا محض الظلم ولا يبقى معه اعتبار البتة بتحسين العقل وتقبيحه.
واعلم. أن السيد إذا أمر عبده في الشاهد بفعل. فما أطاعه ، فإنه يحسن من السيد إيذاء ذلك العبد وإيلامه. وذلك لأن السيد يقول : إنما أمرتك بالفعل الفلاني لأجل أن أستفيد من ذلك الفعل ، نفعا بنفسي فلما لم تأت بذلك الفعل ، فقد بقيت محروما من ذلك النفع ، فأعاقبك لأجل أنك سعيت في تفويت النفع علي. وهذا في حق الله تعالى محال ، لأنه يمتنع أن ينتفع بأفعال العباد. فلم يبق إلا أن يقال : إنه تعالى إنما أمرهم ، وإنما نهاهم لمنافع عائدة إليهم. وقد بينا أنه متى كان الأمر كذلك فإنه (لا) (١) يقبح من الله تعالى أن يعاقبهم على ترك الواجب ، أو على فعل الحرام ، فظهر الفرق بين البابين (٢).
الحجة الرابعة : لو كان حكم العقل معتبرا لقبح من الله تعالى تعذيب الكفار والعصاة وهذا باطل فذاك باطل. بيان الشرطية : إن المنفعة الحاصلة من ذلك التعذيب إما أن ترجع إلى الله أو إلى ذلك العبد المعذب. أو إلى غيره ، والأقسام الثلاثة باطلة. أما الأول : فلأن إله العالم متعالي عن النفع والضرر ، والثاني أيضا باطل ، لأن العذاب الخالص الدائم لا يكون نفعا ، والثالث
__________________
(١) فإنه يقبح [الأصل].
(٢) بين الناس (م).