واعلم أن هذين الجوابين في غاية الضعف.
أما الأول : فلأنا نعلم بالضرورة أن من جلس مغنيا (١) وواظب على وصف بعض الأشياء بالحسن واللذة والراحة فلقول تأثير شديد في حصول الرغبة في ذلك الشيء.
وأما الثاني : فضعيف أيضا. لأن الفائدة في حصول هؤلاء الشياطين : صعوبة الأمر. وتأثير تلك الصعوبة في مزيد الثواب. على قدر الطاعة ، وفي حصول العقاب الشديد ، على قدر المعصية. وتلك الزيادات من الثواب والعقاب ليست في محل الحاجة والاحتراز عن العقاب الشديد في محل الحاجة العظيمة ، وإذا كان كذلك كان تركه أولى.
هذا هو الحكم الذي يحكم به صريح العقل ، مع أنه غير معتبر في حق الله تعالى. وذلك يدل على أن العقل معزول في حق أفعال الله ، وفي حق أحكامه.
الحجة السابعة : أن نقول : الأحوال الحاملة على المعصية أكثر من الأحوال الحاملة على الطاعة ، وذلك قبيح في العقول. بيان الأول : أن الحواس الخمسة الظاهرة (كل واحد منها يدعو إلى طلب اللذات الجسمانية) (٢) والحواس الخمسة الباطنة أيضا. كذلك لأن الإنسان كلما تخيل صورة حسنة مال طبعه إليها ، وكلما تنكر (في حالة طيبة لذيذة من الأحوال الشهوانية مال طبعه إليها ، وكلما) (٣) تذكر حالة سيئة صار أيضا كذلك ، فيثبت أن هذه الحواس الظاهرة والباطنة تدعو الإنسان إلى طلب اللذات الجسمانية. وأيضا : الشهوة والغضب يحملان الإنسان على ذلك. وأيضا : القوى الطبيعية السبعة تحمل الإنسان على ذلك ، فهذه تسعة عشر نوعا من أنواع القوى الجسمانية مركوزة في هذا البدن ، وكل واحد منها يدعو النفس إلى طلب اللذات الجسمانية ، كما قال تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٤).
__________________
(١) معنا (م).
(٢) من (م).
(٣) من (م).
(٤) المدثر ٣٠ والمؤلف أعاد الكلام في الجزء السابع.