فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى يستحق) (١) الذم بمعنى آخر؟ فنقول : الجواب عنه من وجهين :
الأول : إن الشروع في بيان (أن الله تعالى) (٢) هل يعقل أن يستحق الذم (أم لا؟) (٣) فرع على المفهوم من الذم والمدح والمعقول عندنا من الذم : أمر يوجب حصول الغم في القلب ، ومن المدح : أمر يوجب حصول السرور في القلب. فأما معنى ما وراء ذلك فهو غير متصوّر عندنا. وإذا كان التصور مفقودا ، كان التصديق به ممتنعا ، فعلى القوم أن يثبتوا للمدح والذم أثرا وراء ما ذكرناه ، حتى ننظر : أنه هل يمكن إثباته في حق الله تعالى؟
واعلم أن إثبات أمر آخر وراء ما ذكرناه كالميئوس منه ، فإنا لا نرغب في المدح إلا لأنه يورث الفرح والسرور واللذة. والذم لا ينفر طباعنا عنه إلا لأنه يورث الغم والحزن والألم (في القلب) (٤) ولو رفعنا هذه الآثار من الخاطر لم نجد للمدح والذم أثرا أصلا. والفكر (٥) والتأمل التام يكشف عن حقيقة ما ذكرناه كشفا لا يرتاب العاقل فيه ، وإذا كان حاصل المدح والذم يرجع إلى هذه المعاني ، وثبت أن هذه المعاني يمتنع حصولها في حق الله تعالى ، ظهر حينئذ : أن ماهية الحسن والقبح يمتنع تحققها في حق الله تعالى.
الوجه الثاني في الجواب عن هذا السؤال : إنا نقيم الدلالة على امتناع حصول ماهية الذم في حق الله تعالى فنقول : الإلهية منافية لكل ما يوجب النقص والذم ، فلما كان كونه إلها : أمر واجب لذاته ، ثم يثبت أن الإلهية منافية لذاتها ولعينها ، لكل ما يوجب النقصان، ثبت أن تحقق معنى الذم في حق الله تعالى : محال ، لعينه ولذاته ، وكل حكم يثبت أنه واجب الثبوت لذات الشيء ولعينه ، امتنع كونه معللا بسبب منفصل ، فوجب القطع بأن كونه تعالى
__________________
(١) من (م ، س).
(٢) من (س).
(٣) من (م).
(٤) من (م).
(٥) أثرا البتة والتأمل (م).