إلا في مشاهدة القتل والنهب ، وكلما كانت مشاهدته لأنواع التعذيبات أكثر ، كان فرحه ، وانبساط وجهه أكمل.
فيثبت بهذه البيانات الظاهرة : أن الذي يتخيله هؤلاء المعتزلة من الحسن والقبح ، قد صدقوا فيه ، إلا أن حاصله يرجع إلى الرغبة في جلب المنافع ، ودفع المضار.
ولما كان هذا ممتنع الثبوت في حق الله تعالى ، كان إثبات الحسن والقبح في أفعال الله وفي أحكامه محالا باطلا. فهذا هو الكلام الكاشف عن حقيقة هذه المسألة.
والوجه الثاني في الجواب : أنا نقيم الدلائل القاطعة على أن ادعاء البديهة في هذا الموضع كذب وباطل. ويدل على صحة قولنا وجوه :
الحجة الأولى : وهي إن العلوم البديهية لا يجوز اختلاف العقلاء فيها (وجميع الفلاسفة) (١) وجميع الأشعرية ينكرون الحسن والقبح في هذه الأفعال. وذلك يدل على أن العلم بحسن هذه الأشياء وبقبحها ليس من العلوم البديهية.
أجاب أبو الحسين البصري عنه فقال : إنكار الضروريات غير جائز على الجمع العظيم. أما الجمع القليل فإنه يمتنع إطباقهم على الكذب ، وعلى إنكار الضروريات ، لبعض الأغراض. إذا عرفت هذا فنقول : أما عوام الأشعرية وأهل السنة ، فإنهم يحكمون بقبح هذه الأشياء وبحسنها ، ولا ينكرون ذلك البتة. ولو سألتهم عن هذه الأفعال قبل أن تنبههم على مذاهب الناس فيها ، يصرحون بأن الإحسان حسن ، وبأن الظلم قبيح. أما الرؤساء من الأشعرية ، والذين يدعون نصرة المذهب ، فهم جمع قليل ، ولا يبعد منهم الإطباق والاتفاق على الكذب.
واعلم أن هذا الكلام بلونه عجيب ، وذلك لأنا لا نسلم أن جمهور الخلق
__________________
(١) من (س).