يحكمون بحسن هذه الأشياء وبقبحها ، بمعنى كونها مفيدة للخيرات والمنافع ، ومفيدة للشرور والمضار. ونحن لا ننازع في الحسن والقبح بهذا التفسير. وإنما ننازع في الحسن والقبح بتفسير آخر. ومعلوم : أن عوام الخلق لا يفهمون من الحسن والقبح إلا جلب المنافع ودفع المضار. بل نقول : إن عوام المعتزلة لا يفهمون أيضا من الحسن والقبح إلا المنفعة والمضرة (فأما الحسن والقبح بمعنى آخر ، سوى المنفعة والمضرة) (١) فذلك قد أطبق أهل السنة على إنكاره.
وأما العوام من أهل السنة فإنه لا خبر عندهم من ذلك المعنى البتة. وأما العوام من المعتزلة فهم أيضا لا يتصورون شيئا آخر سوى المنفعة والمضرة (ففي الكلام في أن ادعاء الحسن والقبح بمعنى آخر سوى المنفعة والمضرة) (٢) مما لا يفهمه إلا رؤساء المعتزلة. والذين يدعون نصرة المذهب منهم.
وقد سلم أبو الحسين : أن إطباق مثل هذا العدد على الدعوى الكاذبة غير ممتنع فيثبت أن السؤال الذي أورده أبو الحسين في غاية الضعف.
الحجة الثانية : في بيان أن ادعاء الضرورة في هذا الموضع باطل : (٣).
إنه لا شك أن التحسين والتقبيح بمعنى الرغبة في جلب المنافع ودفع المضار حاصل. ولا شك أن امتياز الحسن والقبح بالمعنى الآخر ، عن المعنى الأول ليس معلوما بالبديهة ، بل لا يظهر ذلك إلا للخواص من الناس بالوجوه الدقيقة الغامضة ولو تيسر ، وإذا كان الأمر كذلك ، فقد ظهر أن دعوى البديهة فيه محض الكذب والتزوير.
الحجة الثالثة : إنا إذا قلنا : الظلم قبيح ، فلا بد وأن يحضر (٤) في عقلك تفسير الظلم ، وتفسير القبح ، لأن التصديق بدون التصور محال. فنقول : أما
__________________
(١) من (س).
(٢) من (م).
(٣) المعنى (س).
(٤) يجوز في عقلنا (س).