القدح في ذلك الفرع. فنقول : إذا اقتنعتم بالإلزام ، واعترفتم بأنه ليس ببرهان. فنقول : هذا الإلزام وارد عليكم أيضا من وجهين :
الأول : وهو أن الفعل إما أن يتوقف على الداعي ، أو لا يتوقف عليه ، فإن توقف عليه ، لزم أن يتوقف صدور الفعل عن العبد على حصول الداعي ، ويلزم منه القول بالجبر ، وأن يكون فعل العبد فعلا لله (وعلى هذا التقدير فيكون الخير والشر من الله) (١) وعلى هذا التقدير فيلزمكم ما ألزمتموه علينا ، وإما أن يتوقف الفعل على الدواعي ، فحينئذ يصح أن يخلق الله المعجزة (لا لشيء من الدواعي أصلا. وحينئذ لا تدل المعجزة) (٢) على الصدق ، وحينئذ يلزم القدح في نبوة جميع الأنبياء والرسل. وهذا الإلزام قوي.
والوجه الثاني : أن نقول : خالق أفعال العباد إما أن يكون هو الله تعالى ، أو العبد. فإن كان هو الله تعالى فحينئذ يكون الخير والشر كله من الله تعالى ، وحينئذ يلزمهم ما التزموه علينا. وإن كان هو العبد فحينئذ تكون قدرة العبد صالحة للإيجاد ، وإذا ثبت هذا فحينئذ يحتمل في جميع المعجزات أن يكون خالقها غير الله ، وعلى هذا التقدير فلا تكون المعجزة دليلا على أن الله خصه بالتصديق.
وتمام هذا الكلام ، إنما يتم ببيان أن دلائل المعتزلة في أن غير الله لا يقدر على خلق الجسم والحياة ضعيفة ، وسيأتي بيان ذلك في باب الجبر والقدر ، فيثبت أن الإلزام الذي وردوه علينا ، هو بعينه لازم عليهم.
وأما الحجة الثالثة : فضعيفة ، لأن تصديقنا بإثبات الحسن والقبح عند ورود الشرائع ، متوقف على تصور معنى الحسن والقبح ، وهذا التصور معلوم بالعقل ، قبل مجيء الشرع ، فيثبت أن هذا الكلام ضعيف.
وأما الحجة الرابعة : فهي عين الحجة الثالثة. إلا أنا أوردناها على
__________________
(١) من (م ، س).
(٢) من (م ، ت).