البتة ، ولا يختلف حالها في الإيجاب. وأما القادر حال حصول الداعية الجازمة في قلبه ، فإنه يجب صدور ذلك الأثر عنه ، إلا أن تلك الداعية سريعة الزوال ، سريعة الانقراض والانقضاء، وعند زوال تلك الداعية المعينة يزول ذلك الأثر المعين ، وعند حصول الداعي إلى ضد ذلك الفعل ، يصير مصدر الضد ذلك الأثر. والإنسان إذا جرب نفسه ، واعتبر أحوال فعله وتركه ، علم بالضرورة : أن الأمر كما ذكرناه ، فإنه إذا حصلت الداعية الخالية الجازمة عن القيود ، والمعارض في قلبه ، صار كالملجإ إلى ذلك الفعل. وإذا فرت تلك الداعية ، صار تاركا لذلك الفعل.
وقد ذكر بعض العلماء في هذا المقام كاملا لطيفا ، فقال : إن قال قائل : إني أجد من نفسي أني إن شئت أن أفعل فعلت ، وإن شئت أن أترك تركت. فيكون الفعل مني ، والترك منيّ. ثم أجاب عنه. فقال : يقال لهذا القائل : هب أنك إن شئت الفعل فعلت ، وإن شئت الترك تركت. فهل تجد من نفسك أنك إن شئت مشيئة الفعل ، حصلت مشيئة الفعل ، وإن شئت مشيئة الترك ، حصلت مشيئة الترك ؛ أم لا؟ فإن هذا يوجب التسلسل، بل العقل يجزم بأن هذه الدواعي تنتهي في سلسلة الحاجة إلى داعية تقع في قلبك ، لا لأجل داعية أخرى. وإذا وقعت تلك الداعية في قلبك صرت فاعلا لذلك الفعل لا محالة ، فلا حصول الداعية في قلبك بك. ولا ترتب ذلك الفعل على حصول تلك الداعية بك. فالإنسان مضطر في صورة مختار. فقد ثبت حصول الفرق بين الموجب بالطبع وبين القادر المختار من هذين الوجهين. فإن ادعيت حصول الفرق بينهما من وجه آخر ، فذلك ممنوع.
وأما حصول الأمر والنهي والعقاب والثواب والمدح والذم. فقد ذكرنا الأجوبة عنه في مسألة خلق الأفعال. وبالله التوفيق (١).
__________________
(١) وبالله التوفيق (م).