سائر المشتقات لا تدلّ إلّا على الماهية ، غاية الأمر يكون في صيغة الأمر هيئة ، وهي لا تدلّ الّا على البعث نحو المادة ، وإلّا فمادة كلّ المشتقات واحدة ، ولو فرضت أنّ المصدر أيضا مشتق من المشتقات ولا يكون تفاوتا بين المشتقات من حيث المادة ، فكلّها تدلّ على الماهية. فاذا كان كلامه صحيحا وما أورد عليه ليس واردا ، فتأمل.
وما قلنا من أنّ صيغة الأمر لا تدلّ إلّا على طلب الطبيعة أو البعث نحوها ، فلا دلالة لها على المرّة والتكرار أو الفور والتراخي ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.
إنّما الكلام في أنّ بعد ما علم ان صيغة الأمر لا تدلّ إلّا على طلب وجود الطبيعة وصيغة النهي لا تدلّ إلّا على طلب ترك الطبيعة ، فلأجل ما قالوا بأنّه يكفي في وجود الطبيعة إتيان فرد ولا يكفي في ترك الطبيعة إلّا ترك تمام أفراده قد قال بعض كما يظهر من كلام المحقّق الخراساني أيضا في أوّل النواهي في مقام الفرق بين الأمر والنهي بأنّه حيث إنّ في الأمر يحصل وجود الطبيعة ولو في ضمن فرد وأمّا في النهي لا يحصل ترك الطبيعة إلّا بترك جميع أفرادها ، فلذا قالوا بأنّ في الأمر يحصل الامتثال باتيان فرد وفي النهي يحصل الامتثال بترك جميع الأفراد.
هذا ما قالوا في بيان الفرق ، ولا يخفى ما فيه ، وتحقيق فساد ما قالوا هو أنّ الحكم على العدم لا يعقل إلّا باعتبار الوجود ، فلا يمكن الحكم على العدم إلّا بعد فرض وجوده فعلى هذا لا يمكن التفكيك بينهما ، فكلّ ما يقال في طرف الوجود لا بدّ أن يقال في طرف العدم ، فإذا نقول بأنّ في طرف الوجود تحصل الطبيعة في ضمن فرد كذلك لا بدّ لك أن تقول تحصل الطبيعة في طرف النهي أيضا في ضمن فرد ، فكما أنّ المولى إذا أمر بايجاد طبيعة يحصل بايجاد فرد كذلك إذا نهى عن طبيعة يحصل بترك فردها ، إذ الطبيعة حاصلة في كلّ منهما ، فعلى هذا ما قالوا في توجيه الفرق ليس بسديد (١).
__________________
(١) ـ ويؤيد ما قلنا أنّهم لم يلتزموا في (لا) المشبّهة بليس بذلك ، هذا مثلا إذا قال : (لا رجل