وما به يمكن توجيه الفرق هو أنّ الأمر والنهي يكون لإحداث الداعي في المكلّف فمهما يكون للمكلف داع الى إتيان الفعل وترك الفعل ، فإذا كان شيء من الأشياء التي يأتي بها المكلف أو يتركها على أيّ حال ولو لم يكن أمر ولا نهي ، فالنهي والأمر عنهما يكون لغوا ، إذ هما لا يكونان داعيين للمكلّف ، بل يكون داعيه غيرهما.
فعلى هذا حيث إنّ في الأمر يمكن أن لا يفعل المأمور به أصلا وفي النهي يمكن أن يترك المنهي عنه أصلا يكون في الأمر المراد من الطبيعة الطبيعة المهملة وفي النهي الطبيعة السارية ، مثلا اذا أمر باتيان الصلاة حيث إنّه يمكن أن لا يقبل المكلّف أصلا يكون المراد من الطبيعة هو المهملة وتحصل الطبيعة بإتيان فرد ، وأمّا إذا نهى عن أكل مال الناس حيث إنّه لا يمكن أن يترك المكلّف جميع أفراده ، بل غالبا يفعل بعض كافراده لا بدّ أن يكون النهي عنه هو النهي عن جميع أفراده وتكون الطبيعة هي الطبيعة المرسلة ، ولذا قلنا بأنّ في الأمر أيضا إذا كان من هذا القبيل لا بدّ أن يكون كالنهي مثلا في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) قلنا بأنّه حيث إنّ المكلّف يأتي ببعض البيوع على أيّ حال ، ولو لم يكن فيه أمرا لا بدّ أن يكون الأمر به ، فالحلية هي الأمر بحلية جميع أفراد البيع كي لا يكون هذا الأمر لغوا ، فهذا هو الذي يمكن أن يقال في هذا الباب ، وما قلنا من الفرق هو المطابق للتحقيق ، هذا وجه الفرق بين الأمر والنهي ، والحمد لله أوّلا وآخرا.
ثم اعلم أنّه على ما قلنا من أنّ الأمر لا يدلّ إلّا على البعث نحو الطبيعة لا دلالة له على المرّة والتكرار ولا الفور والتراخي ، ولا يخفى أنّ باتيان فرد يحصل الامتثال ،
__________________
في الدار) وكان مراده أنّ فردا من أفراد الرجل ليس موجودا مثلا ، ولو كان فرد من أفراده موجودا لم يصحّ ذلك ، ولا يكون النهي مع (لا) في هذه الجهة مختلفا.
وأيضا أنّ ما قاله المحقّق الخراساني (ره) في النكرة في سياق النفي من أنّها تفيد العموم إذا اخذ بنحو الارسال ، لا بنحو الاهمال ، والحال أنّه على ما قاله في النهي لم يكن محتاجا الى هذا القيد ، فافهم واغتنم وتأمّل.