الصفات تنتزع عن الله تعالى في مرتبة ذاته بلا حيثية زائدة ؛ لأنّ الله تعالى يكون نحو وجوده وجودا بوحدته مستجمعا لجميع صفات الكمالات ، لأنّ الله تعالى هو الوجود الكامل ، والوجود مستلزم للكمال ، لأنّ الكمال من الوجود ، وإلّا إن لم يكن له جميع الكمالات يلزم النقص.
فعلى هذا كلّما تنتزع العناوين عن مرتبة الذات لا يوجب تعدّد منشأ الانتزاع ولا يوجب تعدّد الوجه والعنوان تعدّد المعنون ، وأمّا إن كان الانتزاع من صفة لا من نفس الذات فلا يمكن انتزاع مفاهيم متعددة عنها بحيثية واحدة ، مثلا لا يمكن انتزاع العلم من صفة القدرة وهكذا.
الأمر الرابع : لا إشكال في أنّ كلّا من القائلين بأصالة الوجود والماهية يقولون بأنّه ليس في الخارج إلّا أصل واعتبار بمعنى أنّ في الخارج يكون شيئا متأصلا واعتبارا مثلا ومن قال بأنّ الوجود أصل يقول بأنّ ما هو الأصل والمتحقّق في الخارج يكون هو الوجود ، والماهية تكون اعتباريّة ، وبالعكس من قال بأصالة الماهية يقول بأنّ المتحقّق والأصيل هو الماهية ، والوجود يكون اعتباريا فلم يكن على كلا القولين إلّا أصيل اعتباري. فعلى هذا نقول بأنّ الوجود في الخارج لم يكن له إلّا ماهية واحدة ، وكذلك الماهية لم تكن قابلة إلّا لوجود واحد.
إذا عرفت ذلك فهمت أنّ النزاع فيما نحن فيه والقول بجواز اجتماع الأمر والنهي أو عدم الجواز لم يكن موقوفا بالقول بأصالة الوجود أو الماهية ، وعلى كلا التقديرين يمكن القول بالجواز إن لم يكن مانع آخر في البين وكذلك يمكن القول بعدم الجواز إن كان يمكن إثباته بالدليل ، لأنّه لم يكن في الخارج إلّا وجود واحد ، فإذا كان كذلك من قال بالجواز يقول بأنّ هذا الواحد لتعدّد الجهة فيه يمكن توجّه الأمر والنهي إليه فيجوز اجتماع الأمر والنهي ، ومن قال بالامتناع يقول بأنّ هذا الوجود الواحد لا يمكن توجّه الأمر والنهي اليه.