والحال أنّ النزاع في هذا البحث أيضا لا يكون إلّا كشف ما يدلّ عليه الأمر الوارد في لسان الشرع ، حتى أنّ الاستدلال بالتبادر بل إثبات دلالته في اللغة ثم التمسّك بكونه للوجوب عند الشرع بأصالة عدم النقل عند من تمسّك بها ليس إلّا من باب أنّ بذلك ينكشف أنّ الأمر الوارد في الكتاب والسنّة يدلّ على الوجوب أو لا.
وكذلك حال النهي فإنّ النزاع فيه في خصوص النهي الوارد في الكتاب والسنّة ، وكذلك العام والخاص ، وكذلك مقدمة الواجب فإن النزاع في أنّ المقدمة واجب شرعا أو لا ، حتى أنّه لو قيل بحكم العقل بالوجوب يكون معناه أن العقل يحكم بذلك وأنّ العقل واسطة في كشف وجوب الشرع له أو لا. فظهر لك أنّ النزاع في كلّ هذه المسائل من عوارض الموضوع ، وليس من عوارضه الغريبة ، فلا مجال للإشكال ، فافهم.
وأما القطع فالبحث عنه في الاصول يكون استطراديا لأنّ القطع المصادف للواقع وهو العلم فليس شيئا إلّا نفس الواقع ، فبه يكشف الواقع ويترتّب عليه كبرى الواقع فليس إلّا الواقع لا أمر آخر حتى يكون مقدمة ودليلا الى الفقه ، وإن لم يصادف الواقع فهو الجهل المركب فليس شيئا أصلا.
وأمّا الظن وسائر الأبحاث الاصولية فالبحث عنها بحث عن عوارض الموضوع ؛ لأنّه يبحث فيها ، من أنّه هل يمكن أن تكون وتصير طريقا ودليلا للفقه أو لا؟