أقوى من ظهور المطلق في الأفراد ، فنأخذ بالمقيّد ونرفع اليد عن إطلاق المطلق ونحمل المطلق على المقيّد ، وأنّ الإتيان لا بدّ من أن يكون بالفرد الذي يكون مورد دليل المقيّد.
واعلم أنّ رفع التعارض يحصل بما قلنا وأنّه لا يمكن الالتزام بالأخذ بالمقيّد بتوهّم انّ المقيّد هنا قرينة على خصوص فرد ؛ لأنّ هذا يصحّ مع دليل المطلق ، وأمّا بعد تماميّة الكلام فظهور المطلق ينعقد ويشمل تمام الأفراد.
ثمّ إنّه في المستحبّات لا يقع التعارض بين المطلق والمقيّد ؛ لأنّ بعد كون دليل المستحبّ يثبت المرتبة في الفضل ويمكن أنّ المطلق مثبتا لمرتبة منه ، والمقيّد لمرتبة اخرى فلا يردان في مورد واحد ، حتّى يقع التعارض بينهما ، بل لو شككنا في ذلك وأنّهما مثبتان لمرتبة أو كلّ منهما يثبت مرتبة غير المرتبة الاخرى ، أيضا لا يقع بينهما التعارض ، لما قلنا من أنّ بعد ثبوت وحدة الملاك يقع التعارض بين المطلق والمقيّد المثبتين ، وكذلك نقول في المكروهات أيضا.
فكلامنا يكون في الواجبات والمحرمات فقط ، وبهذا الوجه نقول لرفع جريان التعارض بين المطلق والمقيّد في المستحبّات ، لا ما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله تمسّكا بأدلّة التسامح في السنن.
لأنّه أوّلا : قلنا في محلّه بعدم إثبات الاستحباب من هذه الأدلة. وثانيا : بأنّه على فرض الإثبات مقتضى هذه الأدلة هو بلوغ شيء ، ثمّ بهذا البلوغ يصير مستحبّا وأمّا لو شكّ في أنّ البالغ ما هو ، فكيف يمكن التمسّك بهذه الأدلّة؟!
والمقام يكون كذلك ، فبعد ورود المقيّد لا يعلم أنّ من روى في حكم المطلق ولو كان راويه ضعيفا ما يكون المروي ، هل هو المطلق أو المقيّد؟ فلا يمكن التمسّك بأخبار من بلغ والالتزام باستحباب تمام أفراد المطلق ، وهذا واضح.