وجود المعنى فانّه بعد الوضع ، وهذا الاعتبار الخاص وجعل اللفظ وجودا تنزيليّا للمعنى مجازا لكن بنحو المجاز الادّعائي ، فهو يعني اللفظ هو المعنى ، فبعد الادّعاء يعني الوضع كأنّه هو لا غيره ، ولذا يحمل على المعنى وتقول : «زيد قائم» فإنّ القائم يحمل على حقيقة زيد حقيقة لا بلفظ زيد ؛ لأنّه حقيقة يكون قائما ، فالقائم يعني لفظ «القائم» وجود تنزيلي لمن يكون قائما.
وهذا بخلاف العلامة فإنّ العلامة ليست كذلك ، بل العلامة أوّلا وبالذات وبالدلالة المطابقية تدلّ على نفس العلامة ، ثم بتبع ذلك ينتقل الشخص الى ذي العلامة فيكون ذلك مدلول بالدلالة الالتزامية لا المطابقية ، وأمّا الوضع فليس كذلك ، بل اللفظ هو عين المعنى ، ومنه ينتقل الشخص الى نفس المعنى ، ولا نظر باللفظ أصلا ، بل ربّما يتوجّه المتكلم باللفظ وكأنّه يلقي المعنى ، فلأجل ذلك نقول : إنّ اللفظ وجود تنزيلي للمعنى بخلاف العلامة ، لأنّ اللفظ وجود من وجودات المعنى. ومن هذه الجهة يعني من حيث كون اللفظ بعد الوضع وجود المعنى قالت الحكماء بأنّ الوجود أربعة : وجود في الأذهان ، ووجود في الأعيان ، ووجود في العبارة ، ووجود في الكتابة ، ويصحّ ما قالوا من عدّ الوجود اللفظي أعني الوجود في العبارة قسم من أقسام الوجودات ، وأمّا العلامة فليست كذلك.
وممّا قلنا ظهر لك أنّ تعبير الوضع بكونه علامة ليس في محلّه ؛ لأن بينهما بون بعيد وأنّ الأولى التعريف ـ يعني تعريف الوضع ـ بأنّه تنزيل اللفظ بمنزلة المعنى ، لما بيّنا من كون اللفظ بعد الجعل والمواضعة وجود تنزيلي للمعنى. فظهر لك في ما مرّ أنّ العلقة الحاصلة في الوضع من الامور الاعتبارية ، وليس باب الوضع باب الوجودات الحقيقية ، بل هو وجود اعتباري ، ولما قلنا يكون اللفظ قالبا للمعنى لا صرف علامة.
ومن الفرق بين الوضع والعلامة يظهر لك ثمرات :