لأنّ الشجاعة أمر خارجي وليس صرفا ذهنية فقط ، فمن يكون شجاعا ليس المراد أنّ هذه الصفة تكون له في النفس وفي الذهن فقط ، بل هي أمر خارجي ؛ لأنّ الحكماء يقولون بأن بعض الامور وان كان من الفعل وانفعال النفس الّا أن وجوده يكون في الخارج.
والتعهد يكون من هذا القبيل فإنّ محلّه الذهن أمّا له وجود في الخارج وحيث رأى أن صرف تعهد الواضع لا يكفي في الوضع ؛ لأنّه تعهد فرضا بذلك وأنّه إذا اريد المعنى الكذائي يتكلم باللفظ الكذائي ، ولكن غير الواضع كيف يضع؟ وكيف يكون صرف تعهد الواضع كاف لايجاد علقة حقيقية بين اللفظ والمعنى للسائرين؟ مع أن الواضع وضع طبيعة اللفظ لطبيعة المعنى ، مثلا وضع طبيعة لفظ «زيد» لطبيعة معنى «زيد» لا أن يكون وضعه لصرف المورد الذي استعمله بنفسه ، بل يريد بذلك أنّ كلّ من يريد زيدا يتكلم بهذا اللفظ.
فعلى هذا نفس تعهد الواضع غير كاف لصيرورة ذلك اللفظ علامة للمعنى مطلقا حتى بالنسبة الى غير الواضع ، ولهذا قال بأنّ غير الواضع أيضا يتعهد بعد بنائه على متابعة الواضع بما تعهد عليه نفس الواضع قال بأنّ غير الواضع بعد البناء على تبعية الواضع في ذلك الوضع فهو أيضا يتعهد مثل الواضع بأن يكون اللفظ الكذائي وجودا تنزيليا للمعنى الكذائي فله أيضا هذا التعهد موجود ، وكما قلنا هذا التعهد يكون أمرا موجودا خارجيا فحصول أمر تكويني كان محتاج اليه في الباب ، وهو التعهد.
فهذا المتوهّم يقول بأنّ الوضع ليس الّا التعهد وليس أمرا آخر غير التعهد ، وبعد عدم كون الوضع هو التعهد والبناء والالتزام وعدم تأثير ذلك التعهد المعبّر عنه بالوضع في اللفظ والمعنى ، بل كلاهما باق بعد الوضع على ما كانا قبل الوضع. فعلى هذا لا أثر للوضع الّا صيرورة اللفظ علامة للمعنى ولا يكون ـ على هذا ـ اللفظ