(١٦) أنكر الأصوات : أقبح الأصوات وأشدها بعثا على الإنكار والاشمئزاز ، ولعل المناسبة هي علو صوت الحمير حيث جاء التشبيه مقابل الأمر بالغض من الصوت وعدم رفعه.
الآيات احتوت إشارة إلى لقمان الحكيم ومواعظه لابنه ، فذكرت أن الله قد آتى لقمان الحكمة وأوجب عليه الشكر من أجلها ، ونبهه على أن الذي يشكر فإنما يفيد نفسه وأن الله غني عمن يكفره حميد لمن يشكره. وأنه وقف من ابنه موقف الواعظ فنهاه عن الشرك بالله واصفا له بالظلم العظيم. ونبهه إلى بعض مظاهر عظمة الله وقدرته وإحاطته بسبيل التدليل على حقه وحده بالخضوع والعبادة. فلو كانت حبة من خردل وكانت في داخل صخرة أو في أي ناحية من أنحاء السماء أو الأرض لأحاط علم الله بها واستحكمت سيطرته عليها. وأمره بإقامة الصلاة لله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر في الخطوب والملمات وعدم الجزع. وبيّن له ما في ذلك من الدلالة على قوة النفس والخلق والعزيمة. وحذره من التكبر والظهور بمظهر الزهو والبطر والاختيال ، وحثّه على الاعتدال والتواضع والدماثة وحسن الخلق في صلاته بالناس وفي حديثه وفي سيره ومشيه.
وقد تخلل المواعظ حكم واستطرادات ، منها ما هو حكاية عن لسان لقمان. ومنها ما هو تقرير قرآني مباشر :
١ ـ فالله سبحانه غني عن شكر الناس له كما أنه لا يضرّه كفرهم ، فالشاكر ينفع نفسه والكافر يضر نفسه. والله مستوجب للحمد والوجود بذاته مستغن عن غيره سواء أحمده الناس أم لم يحمدوه واعترفوا به أم جحدوه.
٢ ـ والله أوجب على الإنسان البر بوالديه والشكر لهم وقد حملته أمه بخاصة ، وقاست في سبيل ذلك ، ثم في سبيل إرضاعه عامين جهدا ومشقة ، فضلا عما بعد ذلك. غير أن واجب الشكر عليه لوالديه لا يجوز أن يصل إلى طاعتهما في الشرك بالله. ففي حالة طلبهما منه ذلك وإلحاحهما عليه لا يكون عليه لهما حق الطاعة وكل ما يكون عليه معاملتهما ومعاشرتهما بالمعروف والحسنى في شؤون