أن هذا الوهم يزول إذا ما أمعن فيها حيث يظهر أن في الآيات ما هو مظهر من مظاهر أخلاق المسلمين حين نزولها وما ينبغي أن يكون خطة لهم بعضهم تجاه بعض. وإن فيها ما ينبغي أن يكون خطة تجاه أعدائهم. فجملة : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)) عائدة للمعنى الأول وللمعنى الثاني معا. وجملة : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)) عائدة للمعنى الثاني. وجملة : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)) وجملة : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ) ... إلخ عائدتان للمعنى الثالث.
وهناك أحاديث نبوية عديدة في فضيلة كظم الغيظ والغضب وتحمل الأذى والعفو فيها تلقين متساوق مع التلقين الذي احتوته الآيات في هذا الصدد. منها حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ليس الشديد بالصّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (١). وحديث رواه أبو داود والترمذي عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ الحور العين شاء» (٢). وحديث رواه البخاري والترمذي وأحمد عن أبي هريرة قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : علّمني شيئا ولا تكثر عليّ لعلّي أعيه. قال : لا تغضب. فردّد ذلك مرارا ، كل ذلك يقول لا تغضب» (٣). وحديث رواه الشيخان عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى ، إنهم يجعلون له ندا ويجعلون له ولدا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم» (٤). وحديث رواه الترمذي عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء فيه : «المسلم إذا كان مخالطا للناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (٥). وحديث رواه الخمسة عن أبي سعيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أعطي أحد عطاء خيرا
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٤٣ ـ ٤٤.
(٢) التاج ج ٥ ص ٤٣ ـ ٤٤.
(٣) التاج ج ٥ ص ٤٣ ـ ٤٤.
(٤) التاج ج ٥ ص ٤٤ ـ ٤٧.
(٥) التاج ج ٥ ص ٤٤ ـ ٤٧.