الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)) [٢٧ ـ ٣٥]
(١) جاثية : من الجثو وهو الجلوس على الركب جلسة المتقاضي أمام قاضيه. أو الجلوس جلسة القرفصاء جلسة الانتظار لقضاء الله. وذكر بعض المفسرين أن معناها : متجمعة إلى بعضها منتظرة قضاء الله في أمرها.
(٢) لا يستعتبون : لا يطلب منهم تقديم الأعذار ، أو لا تقبل منهم الأعذار ، والأصل في معنى الاستعتاب إزالة العتب الناشئ من مساءة بالاعتذار عنها.
جاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة ، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد تضمنت توكيد حقيقة البعث وصدق الوعد بتحقيقه ، وما يكون من شمول رحمة الله فيه للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وما سوف يلقاه الكفار من خزي وتقريع ونار أبدية. كما تضمنت تذكيرهم بما كانوا يقولونه في جحود الساعة وشكهم فيها ، وبما كانوا يقابلون به آيات الله من الهزء ، وباغترارهم بالدنيا ونسيانهم هذا اليوم ونسيان الله لهم فيه مقابل ذلك وتقرير كون أعمالهم كانت تحصى عليهم وتكتب في كتاب الله فلن تقبل منهم الأعذار ولن يجدوا لهم من دون الله وليا ولا نصيرا.
وأسلوب الآيات قوي نافذ من شأنه أن يثير الرعب والخشية من الله في قلوب الكافرين والطمأنينة في قلوب المؤمنين وهو مما استهدفته كما هو المتبادر. وما ورد في الآيات من دعوة كل أمة إلى كتابها ومن قول الله عزوجل لهم : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)) قد ورد بأساليب أخرى في آيات سابقة وعلقناه على مداه بما يغني عن التكرار.
وتعبير (نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ) قد قصد به المقابلة اللفظية لأن الله عزوجل متنزه عن النسيان. والمتبادر أنه أريد به التناسي والإهمال أو إخراجهم من نطاق رحمة الله كما كانت هذه الرحمة تصيبهم في الدنيا.