(٦) ظلموا : هنا بمعنى أجرموا وبغوا وتمردوا وكفروا.
في الآيات تقرير وتذكير بما كان من أمر الأمم السابقة ، فقد أرسل الله تعالى إليها رسله بالبينات والمواعظ فلم تستجب ولم تتعظ ، فأخذها الله بشيء من الشدة في الأموال والأنفس والأجسام لعلها تتضرّع إليه وتذكره فلم تفعل. وظلت سادرة في غيّها متبعة لتزيينات الشيطان لما هي عليه من ضلال. وزاد الله في امتحانهم فآتاهم اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة ففرحوا وازدادوا نسيانا لله وانصرافا عن دعوة رسله ومواعظهم. وحينئذ فاجأهم بعذابه وبلائه فانقطع دابر الظالمين وضاعت عليهم فرصة النجاة والإنابة إلى الله التي تهيأت لهم.
والآيات متصلة بالسياق ومعقبة عليه كما هو المتبادر ، وقد جاءت جريا على الأسلوب القرآني في التذكير بالأمم السابقة عقب حكاية مواقف كفار العرب وعنادهم وإعراضهم بسبيل إنذار هؤلاء الكفار بأنهم أمام امتحان رباني فلا يغتروا بما هم فيه من مال وسلامة ووفرة ، ولا يستمعوا إلى وساوس الشيطان فيقعوا فيما وقع فيه من قبلهم.
والآيات إلى هذا احتوت تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتطمينا لقلبه وبشرى له بأن الله قاطع دابر الظالمين ، وأن ما هم فيه من رغد ورخاء ليس إلّا امتحانا ربانيا.
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تنبيها عاما شاملا لكل زمن ومكان إلى وجوب ذكر الله وتجنب غضبه واتباع آياته وأوامره في كل حال ، وعدم الاغترار ببسمات الدهر ونسيان الله فيها.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآية الثانية بعد أن قالوا إنها من قبيل الاستدراج والإمهال حديثا رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبّ فإنما هو استدراج ثم تلا الآية» (١). وهناك حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء
__________________
(١) النص من تفسير ابن كثير.