وتمحلهم والتنويه بالمؤمنين لتصديقهم وحسن تلقيهم.
والرد ينطوي على حقيقة من الحقائق التي نبهنا عليها أكثر من مرة في المناسبات السابقة. وهي أن القرآن في أمثاله وتقريراته إنما يخاطب الناس بما يفهمونه وما هو مستمد من مألوفاتهم وأساليبهم لأجل التقريب لأذهانهم وإثارة انتباههم بقطع النظر عن ماهيته.
وأسلوب الآية الرابعة الأخيرة يلهم أولا أنه بسبيل تقرير ما هو واقع أمر الناس من انتفاعهم بما خلق الله في الأرض من مختلف الأسباب والوسائل ، وثانيا أن السامعين يسلمون بذلك ويعترفون به ، وثالثا أن فيه تنويها أو تكريما لبني آدم الذين هم أكثر خلق الله انتفاعا بما خلق الله في الأرض حتى لكأنه خلقه لهم ولعل فيه بالإضافة إلى ذلك هدف التدليل على ما قررته الآية التي قبلها من قدرة الله على إحياء الناس بعد الموت ، ومن كون مرجعهم إليه. والتدليل على هذه النقطة الأخيرة منطو في شطر هذه الآية الذي يقرر أن الله أحيا الناس بعد أن كانوا أمواتا ـ أي عدما على ما أوله جمهور المفسرين (١) ـ مما يعترف به الكافرون المشركون حيث حكته عنهم آيات مكية عديدة. وفي كل هذا إلزام وإفحام للكفار وهو ما انطوى في السؤال التنديدي الإنكاري الذي بدأت به الآية الثالثة.
ولقد احتوت السور المكية تقريرات كثيرة مماثلة ، والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره بالأسلوب الذي جاء به في مطلع العهد المدني وبمناسبة اعتراض المنافقين.
والفقرة الأخيرة من الآية الرابعة جاءت تتمة أو استطرادا على ما هو المتبادر. ولقد علقنا على ما فيها من خلق الله الأرض وما فيها والسموات السبع في مناسبات سابقة تعليقا يغني عن التكرار (٢).
__________________
(١) انظر تفسير الطبري وابن كثير وغيرهما.
(٢) انظر تفسير سور ق والإسراء وفصلت.