ولقد تعددت المذاهب بناء على ذلك ففريق من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتابعيهم وأئمة الفقهاء ذهبوا إلى كراهية الصوم في السفر وقالوا : إن الله تصدّق على عباده برخصة الإفطار فلا يجوز ردّ صدقته. وفريق جعل ذلك في الخيار فمن شاء صام ومن شاء أفطر. وهناك فريق حبّذ عدم السفر في رمضان لئلا يضطرّ إلى الإفطار وقال : إنه إذا حلّ رمضان على مقيم وصام ثم سافر فعليه أن يستمرّ في الصوم.
٩ ـ ولم نطلع على أثر نبويّ في صدد حدّ المرض والسفر اللذين يباح فيهما الإفطار. فهناك حديث رواه البخاري جاء فيه : «كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد» (١). وحديث رواه أبو داود جاء فيه : «كان ابن عمر يخرج إلى الغابة فلا يقصر ولا يفطر» (٢). ومما قاله المؤولون والفقهاء إن حدّ المرض هو تمكن الظن بضرر النفس وازدياد العلّة أما حدّ السفر فمنهم من قدره بسير ثمانية فراسخ ومنهم من قدره بستة عشر فرسخا.
والذي يتبادر لنا من روح الجملة القرآنية ومن الأحاديث النبوية أن الرخصة بالإفطار للمسافر والمريض الموقت ويدخل في ذلك الحبالى والمرضعات والنفساء إنما هي بسبب الجهد والمشقة تمشيا مع المبدأ القرآني الذي يقرّر أن الله لا يكلّف نفسا إلا وسعها وأن الله يريد بالناس اليسر لا العسر. وأن الأمر موكول لتقدير المسلم المفروض أنه مخلص لدينه وواجباته الدينية ، وأن الصيام في الأصل عمل ذاتي لا رقيب عليه إلا الله وإيمان المؤمن. ولقد جاء النص القرآني مطلقا مما ينطوي فيه حكمة بالغة متمشية مع الحكمة القرآنية العامة التي جرت على ترك تعيين الأشكال في الأعمّ الأغلب لظروف الأشخاص من الأزمنة والأمكنة. والعبرة قائمة اليوم بالنسبة للسفر في تبدل وسائط النقل ووسائل الأسفار ، بل وهذا يشاهد في المرض نتيجة لتقدم الطب ، فالمقاييس والأحوال تتغير بتغير الوسائل والظروف ،
__________________
(١) التاج ج ٢ ص ٦٩ والبريد أربعة فراسخ ، والفرسخ مشي ساعة ونصف.
(٢) انظر المصدر نفسه.