ويتبادر لنا أن هذا اجتهاد من ابن عباس قائم على احتمال الظن أن يكون مطلع القمر في الشام غير مطلعه في المدينة ، وليس في الأحاديث النبوية المروية ما يدعمه بصراحة ، وليس من شأنه أن ينقض الحكم المستلهم من الأحاديث التي أوردناها. وقد يكون عدم رؤيتهم الهلال في المدينة لسبب سحاب أو عجز عن الرؤية ، وما دام أن من الثابت اليقيني اليوم أنه ليس فرق كبير في المطالع بين البلاد العربية في آسيا وأفريقيا بل وبين البلاد الإسلامية الآسيوية الإفريقية والأوروبية القريبة منها وأن الفرق لا يعدو أن يكون ساعة أو ساعتين بحيث يكون الشهر في اليوم التالي مؤكد الدخول في جميع هذه البلاد فإن ثبوت رؤية القمر في بلد منها كاف لبدء الصيام وانتهائه في البلاد الأخرى. وهذا صار يمكن العلم به في دقائق معدودة بحيث يكون خبر أول بلد يرى فيها القمر يؤخذ به في البلاد الأخرى صوما وانتهاء ، بل وإنه لمن السائغ ما دام القصد الشرعي هو التثبت من دخول الشهر ونهايته أن يكون ذلك بناء على الحساب الفلكي الرياضي المستند إلى علم وثيق أو على رؤية الهلال بواسطة منظار المراصد الفلكية إذا تعذرت الرؤية العيانية المعتادة والله تعالى أعلم.
وفي هذا خلاص من البلبلة التي يقع المسلمون فيها في كل سنة من جراء تمسكهم بالحرف وإهمالهم الجوهر فيه فيكون صيامهم وإفطارهم واحدا في كل بلادهم. وقد وصل علم الفلك إلى درجة بعيدة جدا من الدقة والضبط ، وساعد اللاسلكي على اتصال البلاد ببعضها في لمحة البصر ولم يكن من هذا شيء من قبل. وفي التقريرات والمبادئ القرآنية ما يبيح للمسلمين بأخذ كل ما فيه مصلحة وتيسير ولم يكن فيه معصية وتعطيل. وفي الآية التي نحن في صددها تلقين عظيم في هذه المسألة بالذات حيث قررت أن الله إنما يريد بالمسلمين اليسر ولا يريد بهم العسر وكل ما يريده منهم هو إتمام عدة الشهر الذي أمروا بصيامه وذكر الله وعبادته لأن في ذلك رشدهم وصلاحهم وخيرهم.
١٣ ـ وقالوا ورووا في صدد الآية [١٨٧] : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ