ومشاهد القبح كالطواف في حالة العري تلقين جليل آخر ، وهو أن المهم في الدعوة الإسلامية هو التوحيد ، وكل ما فيه كفالة خير الناس ومصالحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. وليس المهم هو هدم القديم مطلقا ، فما كان متناقضا مع ذلك المهم فيجب هدمه بما هو الأصلح والأفضل والأوجب. وليس من حرج من بقاء قديم لا يتناقض مع ذلك إذا كان في بقائه فوائد ينتفع بها المسلمون أو إذا كان في هدمه إثارة للنفوس.
ولقد قال بعض المفسّرين (١) إن العرب كانوا لا يأكلون من لحوم أضاحيهم التي ينحرونها في موسم الحج ، وإن الآية [٢٨] قد أحلّت ذلك للمسلمين. ومع أن الآيات هي بسبيل الاستطراد كما قلنا فإن في استنباط حلّ أكل صاحب القربان من لحم قربانه وجاهة ظاهرة.
وتعبير (وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) بعد كلمة الطائفين في الآية [٢٦] قد يلهم أن القيام والركوع والسجود على التوالي ـ وهو شكل الصلاة الإسلامية ـ قد كان ممارسا عند الكعبة قبل الإسلام بالإضافة إلى الطواف حولها.
ولقد تعددت أقوال المفسرين (٢) عزوا إلى بعض الأحاديث في مدى تعبير (أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) حيث روي أنها العشر الأولى من ذي الحجة كما روي أنها يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق بعدهما. وقد تعددت أيضا في تعدادها بين يومين وبين أربعة أيام. والمتبادر أن سامعي القرآن لأول مرة كانوا يعرفون الأيام المعلومات التي تقرّب فيها القرابين. وإذا لحظنا أن المشهور المتعارف عند المسلمين أن يوم العيد وأيام التشريق التي تليه هي التي تنحر فيها القرابين ساغ القول إنها هي المقصودة والله تعالى أعلم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذا التعبير حديثا رواه البخاري عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه. قالوا ولا الجهاد في
__________________
(١) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير.
(٢) انظر تفسيرها في الخازن وابن كثير والطبري والبغوي.