أن نص الآية قد يلهم أن هذا النوع من الطلاق ليس هو طلاقا قرآنيا. ويدعم هذا القول بقوة آية سورة الطلاق الأولى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)) والفقرة الأخيرة قوية المغزى في صدد احتمال تراجع الزوجين أثناء العدة وحكمة الأمر بتطليق النساء لعدتهن وإحصاء العدة وعدم خروج النساء من بيوت مطلقيهم وعدم إخراجهم لتسهيل وقوع ذلك الاحتمال. ولقد روى النسائي بسند جيد عن محمود بن لبيد قال : أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم برجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جمعا فقام غضبان ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ...» ولقد روى مسلم وأبو داود وأحمد حديثا عن ابن عباس جاء فيه : «كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلقة واحدة فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» (١). وفي الحديثين تدعيم لما قلنا.
على أن هناك حديثا رواه أبو داود والترمذي والشافعي عن ركانة بن عبد يزيد أنه : «أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال له : إني طلقت امرأتي البتة. فقال : ما أردت بها؟ قال : واحدة. قال : والله قال : والله. قال : فهو ما أردت» (٢). واعتبر النبي تطليقه البات تطليقة رجعية. وهناك حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن فاطمة بنت قيس قالت : «إن زوجها طلّقها ثلاثا ولم يجعل لها نفقة فشكت أمرها إلى رسول الله فقال لها : ليس لك عليه نفقة» (٣).
وهناك حديث يرويه الخمسة عن عائشة قالت : «إنّ امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله إن رفاعة طلّقني فبتّ طلاقي وإني
__________________
(١) التاج ج ٢ ص ٣٣٢.
(٢) المصدر نفسه ص ٣١٢.
(٣) المصدر نفسه ص ٣٣١.