الإمام ابن تيمية تسويغه الأخذ بشهادة المرأة فيها. وأورد حديثا وصفه بالصحيح عن عقبة بن الحرث : «أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء فقالت إنها أرضعتنا فأمره بفراق امرأته. فقال إنها كاذبة فقال دعها عنك» (١). وعقب على هذا بقوله إن في هذا قبولا بشهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمة.
١٢ ـ لقد استطرد المفسرون بمناسبة الآية إلى شهادة النساء في غير شؤون الدين. وأوردوا أقوالا لبعض علماء التابعين وبعض أئمة الفقه ولأنفسهم تفيد أن شهادة النساء غير جائزة ولا مقبولة في العقوبات والحدود ولو في نطاق النصاب المذكور في الآية (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ولا تقبل إلّا في الأموال وما من العادة أن تعرفه وتشهده كالولادة والرضاع والبكارة والثيوبة ونحو ذلك. وليس في القرآن ما يؤيد هذا القول ولم نطلع على حديث صحيح يؤيده كذلك ، والحديث الذي أوردناه قبل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه أبو داود والترمذي (الفقرة ٩) ينص على كون المردود شهادتهم هم الخائن والخائنة والزاني والزانية وذو الغمر والقانع (التابع) لمستخدميه. وآيات سورة الحجرات والنور التي أوردناها في الفقرة المذكورة ترد شهادة الفاسق وقاذف المحصنات وحسب.
وكل هذا يجعلنا نتوقف في منع قبول شهادة المرأة في الحدود والعقوبات.
ولقد ناقش ابن القيم (٢) هذه المسألة أيضا وانتهى إلى القول إن النصوص القرآنية والآثار النبوية لا تقيد شهادة المرأة في أمور دون أمور وإن شهادتها تصح في جميع الشؤون. واستشهد في ذلك إلى جملة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) في الآية [٢] من سورة الطلاق وإلى جملة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ
__________________
(١) ورد هذا الحديث في التاج بروآية البخاري والترمذي بهذا النص : «قال عاقبة بن الحرث : تزوجت امرأت فجاءتنا امرأت سوداء فقالت أرضعتكما فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبرته وقلت له إنها كاذبة. فأعرض ، فأتيته من قبل وجهه وقلت : إنها كاذبة ، قال : كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما ، دعها عنك» التاج ج ٢ ص ٣٦٦.
(٢) التاج ج ١ ص ٧٦ وبعدها.