(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦)) [٧٥ ـ ٧٦].
وهاتان الآيتان أيضا متصلتان بالسياق على ما يتبادر لنا. وتضمّنتا تقرير ما جرت سنّة الله عليه من اصطفاء رسله من الملائكة ومن الناس. وهو السميع لما يقال البصير لما يقع العليم بما يكون منهم ويدور حولهم ظاهرا أو خفيا ، حاضرا ومستقبلا ، وإليه مصير الأمور والتصرّف فيها أولا وآخرا.
واتصال الآيتين بالسياق قائم فيما احتوته الفصول السابقة القريبة وحكته من مواقف وأمرته للنبي من أوامر وسؤالات يبلغها ويوجهها ويعمل بها. وهما من هذا الاعتبار قد احتوتا تأييدا للنبي وتثبيتا له. فليس في رسالته ـ وهو بشر ـ بدع فإن ذلك من سنن الله الجارية.
وهذا المعنى قد تكرر تقريره كثيرا في السور المكية بسبيل الاحتجاج والردّ على المشركين. أما رسالة الملائكة فقد ذكرت أيضا في آيات عديدة مرّت في سور سابقة مثل سورة النحل وسورة فاطر وسورة غافر يستلهم منها أنها بسبيل تقرير كونها خاصة بين الله وبين الذين يصطفيهم من البشر لدعوة البشر وهدايتهم ، أو لبشاراته إليهم وعنايته بهم في حالة لا يدركها إلّا هؤلاء المصطفون ، وتدخل في نطاق المغيبات عن عامة الناس كما تدخل في نطاق الحقائق الإيمانية التي يجب الإيمان بها غيبا لأنها مما قرره القرآن.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)) [٧٧ ـ ٧٨].
في هاتين الآيتين :