فيها ، وأنهم يتعارفون بينهم ليوبّخ بعضهم بعضا ؛ ثم ذكر أنه إما يرينّه بعض الذي يعدهم من العذاب في الدنيا ، أو يتوفينّه قبل أن يريه له ، فإليه ، تعالى ، مرجعهم ثم هو شهيد على ما يفعلون ، وأن لكل أمة رسولا لا تعذب قبله : (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧).
ثم ذكر أنهم سألوا مستهزئين : متى هذا الوعد بالعذاب؟ وأمر النبي (ص) أن يجيبهم بأن أمر ذلك مفوض إليه ، جل جلاله ، وحده ، لأنه لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا ، ولكل أمة أجل لا تتأخّر عنه ولا تتقدّم ، وبأن يسألهم عن فائدتهم في استعجال هذا العذاب ، لأنهم إذا آمنوا عند وقوعه يكون إيمانهم بطريق الإلجاء ولا ينفعهم ، ثم يقال لهم : (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٥٢).
ثم ذكر أنهم سألوه عن ذلك العذاب مرة أخرى : أحقّ هو؟ وأمره أن يجيبهم بأنه حق ، وأنهم لا يعجزونه إذا أراد عذابهم ، وأنه إذا أتاهم وكان لهم ملك ما في الأرض لافتدوا به ؛ ثم ذكر أن له ، سبحانه ، ما في السماوات والأرض ، دليلا على قدرته على تحقيق وعيده لهم ، ولكن أكثرهم لا يعلم (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥٦).
دعوتهم إلى تصديق القرآن
بالترغيب والترهيب
الآيات [٥٧ ـ ٩٨]
ثم قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥٧) فذكر أنه موعظة منه وشفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ؛ وأمرهم أن يفرحوا بفضله عليهم به ، لأنه خير مما يجمعون ، ثم أمرهم أن يخبروه عمّا رزقهم به ، فجعلوا منه حراما وحلالا ، أكان بإذنه أم كان افتراء عليه؟ ليبيّن حاجتهم إلى هدايته ؛ وذكر أنه إذا كان افتراء عليه ، فما يكون جزاؤهم عليه يوم القيامة؟ وأنه ذو فضل عليهم بإنزاله هذا القرآن ، الذي يبيّن لهم حرامه وحلاله ، ولكنّ أكثرهم لا يشكرون ، ثم أخذ في وعد النبي (ص) والمؤمنين على الإيمان بما أنزله إليهم ، فذكر أنه ما يكون في شأن وما يتلو منه من قرآن إلا كان شاهدا عليهم ، وأن كل صغيرة وكبيرة ثابتة عنده في كتاب مبين ؛ ثم