المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «يوسف» (١)
أقول : وجه وضعها بعد سورة «هود» زيادة على الأوجه الستة السابقة ، أن قوله تعالى في مطلعها : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [الآية ٣] مناسب لقوله سبحانه في مقطع تلك : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) [هود / ١٢٠].
وأيضا فلما وقع في سورة هود : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧١). وقوله تعالى : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [هود / ٧٣].
ذكر هنا حال يعقوب مع أولاده ، وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته ، فكان كالشرح ، لإجمال ذلك.
وكذلك قال تعالى في سورة «يوسف» : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) [الآية ٦]. فكان ذلك كالمقترن بقوله تعالى في هود : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [الآية ٧٣].
وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول : أن «يونس» نزلت ، ثم «هود» ، ثم «يوسف» (٢). وهذا وجه آخر ، من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث ، لترتيبها في النزول هكذا.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). الإتقان : ١ / ٩٧ ، نقلا عن محمد بن الحارث بن أبيض في جزئه.