(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
أي استولى على ملك الموجودات جميعها ، وأحاطت قدرته الكائنات جميعها.
ومع الاستعلاء والتسخير ، الحكمة والتدبير.
(كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى).
وإلى حدود مرسومة وفق ناموس مقدّر.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).
ويمسك بالأفلاك الهائلة والأجرام السابحة في الفضاء ، فتجري لأجل لا تتعدّاه.
ومن قدرة الله سبحانه ، أنّه مدّ الأرض وبسطها امام البصر ، وأمدّها بمقومات الحياة :
(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ).
ليكمل إبداع الخلق وتناسقه ، ثم تابع الله ، جلّت قدرته ، بين الليل والنهار في انتظام عجيب ، ونظام دقيق يبعث على التأمل في ناموس هذا الكون ، والتفكير في القدرة المبدعة التي تدبّره وترعاه :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣).
أدلة الألوهية في سورة الرعد
نحن في سورة الرعد أمام عدد من أدلة الألوهية يتوارد بعضها وراء بعضها في سياق بديع ، وعرض شائق.
فهناك الأرض التي تزرع بألوان مختلفة من النبات فيها.
(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) [الآية ٤].
منه ما هو عود واحد ، ومنه ما هو عودان أو أكثر ، في أصل واحد ، وكله :
(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) [الآية ٤].
والتربة واحدة ، ولكن الثمار مختلفات الطعوم :
(وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الآية ٤].
فمن غير الخالق المدبّر يفعل ذلك؟
إن القرآن ، بمثل هذه اللفتة ، يبقى جديدا أبدا ، لأنه يجدّد أحاسيس البشر بالمناظر والمشاهد في الكون والنفس ، وهي لا تنفد ولا يستقصيها إنسان في عمره المحدود ، ولا تستقصيها البشرية في أجلها الموعود.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤).