(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠).
فيجيء بعضه مصداقا لنبأ الرحمة ، ويجيء بعضه مصداقا لنبأ العذاب ، كذلك هو يرجع إلى مطالع السورة ، فيصدق ما جاء فيها من نذير :
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٥).
فهذه نماذج من القرى المهلكة بعد النذر ، حلّ بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل.
الحجر
سميت هذه السورة الحجر ، إشارة إلى أصحاب الحجر وهم قوم صالح (ع). والحجر تقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، وهي ظاهرة إلى اليوم ، فقد نحتوها في الصخر ، في ذلك الزمان البعيد ، ممّا يدلّ على القوّة والحضارة :
(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠).
وهم لم يكذّبوا سوى رسولهم صالح. ولكن صالحا ليس إلّا ممثّلا للرسل أجمعين ، فلمّا كذّبه قومه قيل : إنّهم كذّبوا المرسلين ، توحيدا للرسالة وللرسل وللمكذّبين في كل أعصار التاريخ وفي كل جوانب الأرض ، على اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأقوام :
(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٨١).
وآية صالح (ع) كانت الناقة. ولكن الآيات في هذا الكون كثيرة ، والآيات في هذه الأنفس كثيرة. وكلها معروضة للأنظار والأفكار. وليست الخارقة التي جاءهم بها صالح هي وحدها الآية التي آتاهم الله. وقد أعرضوا عن آيات الله كلها. ولم يفتحوا لها عينا ولا قلبا ، ولم يستشعرها فيهم عقل ولا ضمير :
(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤).
لقد اتّخذ قوم صالح بيوتا حصينة أمينة في صلب الجبال فأخذتهم الصيحة في وقت الصباح ، وهم في ديارهم الحصينة آمنون ، فإذا كل شيء