المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «هود» (١)
١ ـ وقال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) [الآية ٥].
قوله تعالى : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ، أي : يزورّون عن الحق وينحرفون عنه : لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ، ومن ازورّ عنه وانحرف ، ثنى عنه صدره ، وطوى عنه كشحه.
أقول : و «ثني الصدر» من مجازات القرآن البديعة التي لم نعرفها في مجازات العرب.
٢ ـ وقال تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢).
قال الزجّاج : «لا» نفي لما ظنّوا أنه ينفعهم ، كأنّ المعنى لا ينفعهم ذلك جرم (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) ، أي : كسب ذلك الفعل ، لهم الخسران. وقال غيره : معناه : لا بدّ ولا محالة أنهم.
وقيل : معناه حقا ، ويستعمل في أمر يقطع عليه ولا يرتاب فيه ، أي : لا شكّ أن هؤلاء الكفار هم أخسر الناس في الآخرة.
أقول : حين اختلفت الأقوال في معنى «لا جرم» ، أصبحت الكلمة من المسائل المشكلة ، فليس في طوق المتكلّم أن يستعملها ، ولعل من أجل ذلك لم يكتب لها البقاء كثيرا في العربية ، وقلّما نقف على شيء منها في النصوص.
لقد روي في حديث قيس بن عاصم قوله : لا جرم لأفلّنّ حدّها.
قال ابن الأثير : هذه كلمة ترد بمعنى
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.