المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الحجر» (١)
أقول : تقدّمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة. وإنما أخرت عنها لقصرها بالنسبة إليها ، وهذا القسم من سور القرآن للمئين ، فناسب تقديم الأطول ، مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام ، وهو قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩). فإنه مفسر بالموت (٢).
وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة. ففي آخر آل عمران : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠) وفي آخر الطواسين : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٨) [القصص] وفي آخر ذوات (الر) : (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) [السجدة]. وفي آخر الحواميم : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف / ٣٥].
ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم ، فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (٥٠). قال هنا : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢) فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار ، ورأوا عصاة المؤمنين
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). أخرجه البخاري من سالم : ٦ / ١٠٢ ، والمعنى ونفسه أخرجه البخاري في الجنائز ، وأحمد في المسند : ٦ / ٤٣٦.