إن هذا الحشد من الصور والأشكال ، والحركات والأحوال والرواح والذهاب والبلى والتجدد والذبول والنماء ، والميلاد والممات ، والحركة الدائبة في هذا الكون الهائل التي لا تنسى ولا تتوقف لحظة من ليل أو نهار. إن هذا كله ليستنهض كل همة في كيان البشر ، للتأمل والتدبر والتأثر ، حتى يستيقظ القلب ويتفتح لمشاهدة الآيات المبثوثة في ظواهر الكون وحناياه. والقرآن الكريم يعمد مباشرة إلى إيقاظ القلب ، لتدبّر هذا الحشد من الصور والآيات ، وتأمل قدرة الله في اختلاف الليل والنهار ، بالطول والقصر ، فيطول الليل في الشتاء ، ويقصر في الصيف ، ويطول النهار في الصيف ، ويقصر في الشتاء. ووراء كل إبداع يد الله القدير ، الذي رفع السماء وزيّنها بالنجوم وحفظها من التصدع والوقوع ، وبسط ، سبحانه ، الأرض وثبّتها بالجبال ، وزيّنها بالنبات ، وأحياها بالأمطار.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦).
الدرس الثاني :
الأدلة على وجود الله
يستهل الدرس الثاني من سورة يونس ، بإعلان جزاء المؤمنين ، وعاقبة المكذبين ، حيث يقول سبحانه :
(أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ([الآية ٢٦].
فالجزاء الحق من جنس العمل ، فمن عمل صالحا في الدنيا ، أدخله الله الجنّة ومتّعه بالطيّبات ، ونجّاه من النار.
ثم تستمر الآيات في بيان عقوبة المكذّبين ، وجزاء الخائنين ؛ وتسوق السورة عددا من الأدلة والبراهين تنتهي كلها إلى هدف واحد ، هو إشعار النفس بتوحيد الله وصدق الرسول ، واليقين باليوم الآخر ، والقسط في الجزاء.
تلمس الأدلة أقطار النفس ، وتأخذ بها إلى آفاق الكون في جولة واسعة شاملة ، جولة من الأرض إلى السماء ، ومن آفاق الكون إلى آفاق النفس ، ومن ماضي القرون إلى حاضر البشر ، ومن الدنيا إلى الآخرة.
وقد لا حظنا في الدرس الماضي لمسات من هذه ، ولكنها في هذا الدرس أظهر. فمن معرض الحشر ،