إلى مشاهد الكون ، إلى ذات النفس ، وإلى التحدي بالقرآن ، إلى التذكير بمصائر المكذبين من الماضين ، ومن ثم لمحة عابرة عن الحشر في مشهد جديد ، إلى تخويف من المفاجأة بالعذاب ، وإلى تصوير علم الله الشامل الذي لا يندّ عنه شيء ، إلى بعض آيات الله في الكون ، إلى الإنذار بما ينتظر المفترين على الله يوم الحساب.
إنها مجموعة من اللمسات العميقة الصادقة ، لا تملك نفس سليمة التلقي ، صحيحة الاستجابة ألّا تستجيب لها ، وألّا تتذاوب الحواجز والموانع فيها ، دون هذا الفيض من المؤثّرات المستمدة من الحقائق الواقعة ، ومن فطرة الكون وفطرة النفس ، وطبائع الوجود. لقد كان الكفّار صادقين في إحساسهم بخطر القرآن على صفوفهم ، وهم يتناهون عن الاستماع إليه ، خيفة أن يجرفهم بتأثيره ويزلزل قلوبهم ، وهم يريدون أن يظلوا على الشرك صامدين.
وإن سورة واحدة كهذه ، أو بعض سورة ، لتحمل من المؤثرات النفسية والعقلية ، ما لا يحمله جمع كبير من قوى الشرك والانحراف والفسوق.
لقد أخذ القرآن على النفوس كل مسلك ، ليسير بها نحو الإيمان ، وساق إليها أدلّة محسوسة ملموسة حيث يقول سبحانه :
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الآية ٣١].
من المطر الذي يحيي الأرض وينبت الزرع ومن طعام الأرض ونباتها وطيرها وأسماكها وحيوانها ؛ فمن سطح الأرض أرزاق ، ومن أعماقها أرزاق ، ومن أشعة الشمس أرزاق ، ومن ضوء القمر أرزاق ، حتى عفن الأرض كشف فيه عن دواء وترياق.
(أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) [الآية ٣١].
يهبهما القدرة على أداء وظائفهما أو يحرمهما ، ويصحّحهما أو يمرضهما ويصرفهما إلى العمل أو يلهيهما. وإن تركيب العين وأعصابها ، وكيفية إدراكها للمرئيات ، أو تركيب الأذن وأجزائها ، وطريقة إدراكها للذبذبات ، لعالم وحده يدير الرؤوس عند ما يقاس هذا الجهاز أو ذاك ، إلى أدق الأجهزة التي يعدّها الناس ، من معجزات العلم الحديث.
(وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) [الآية ٣١].