والجواب أنه ما كان لدين أن يقوم في الأرض ، وأن يقيم نظاما للبشر قبل أن يقرر هذه الدعوة.
فالتوحيد مفترق الطريق بين الفوضى والنظام ، بين الخرافة والإيمان ، بين الهوى واليقين.
والاعتراف بوجود الله ضروري في الفطرة السليمة ، لأنّ الله خلق الإنسان ، وأودعه نفخة مقدسة من الروح ، ولذلك تتجه الفطرة الى الله خالقها وبارئها لتروي ظمأها اليه ، وتلبي نداء الشوق الكامن إليه في أعماقها.
٢ ـ عناية الآيات ، بأن تلفت نظر الإنسان الى ما في الكون من آيات القدرة ، ودلائل الإعجاز ، وعجائب الصنع ، ومواطن الاعتبار. فهذا الكون الفسيح الشاسع الأرجاء وما فيه من قوى منظورة لنا وغير منظورة ، وما يخضع له من نظام لا يحتمل الخلل ، ودقة لا تسمح بالعبث ، دليل على أن هذا الكون لم يوجد من طريق صدفة عمياء ، بل وجد لأنّ خالقا حكيما هو الذي أوجده.
٣ ـ إثبات علم الله بكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون ، وتقدير الرزق لكل فرد من أفراد هذا العالم الفسيح ، وتيسير الأسباب للسعي والحركة وعمارة الكون ، ومن الآيات المشهورة بين الناس قوله تعالى :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦).
وهي تصور علم الله الشامل ، المحيط بكل ما يدب على الأرض ، من إنسان وحيوان وزاحفة وهامة وحشرة وطير. فما من دابة من هذه الدواب إلّا وعند الله علمها ، وعلى الله رزقها ، وهو سبحانه يعلم أين تستقر وأين تكمن ، ومن أين تجيء وأين تذهب. وكل فرد من أفرادها مقيّد في هذا العلم الدقيق. إنها صورة متّصلة للعلم الإلهي في حالة تعلقه بالمخلوقات ، يرتجف لها كيان الإنسان حين يحاول تصوّرها بخياله الإنساني ، فلا يطيق. فسبحان من أحاط بكلّ شيء علما.
٢ ـ إعجاز القرآن
يلمح القارئ لهذه السورة قوة أسلوبها وترابط أفكارها ، وتوالي حملاتها على الكفار ، حتّى كأنها جيش كامل مشتمل على عديد من الكتائب والفصائل والجنود.