المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «هود» (١)
قوله تعالى : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١) وهذه استعارة. لأن آيات القرآن لمّا ورد في بعضها ذكر الحلال والحرام ، واستمرت على ذلك بين وعد مقدّم ، ووعيد مؤخّر ، ونذارة مبتدأ بها ، وبشارة معقّب بذكرها شبّهها القرآن ، لذلك ، بالنظائم المفصّلة ، التي توافق فيها بين الأشكال تارة ، وتؤلف بين الأضداد تارة ليكون ذلك أحسن في التنضيد ، وأبلغ في الترصيف. وهذه من بدائع الاستعارات.
وقوله سبحانه : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [الآية ٥] وهذه استعارة. لأن حقيقة الشيء لا تتأتّى في الصدور. والمراد بذلك ـ والله أعلم ـ أنهم يثنون صدورهم على عداوة الله ورسوله (ص). وذلك كما يقول القائل : هذا الأمر في طيّ ضميري. أي قد اشتمل عليه قلبي. فيكون قوله تعالى : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) بمنزلة قوله يطوون صدورهم. ولفظ يثنون أعذب استماعا وأحسن مجازا.
وقيل أيضا : بل معنى ذلك أن المنافقين كانوا إذا اجتمعوا تخافتوا بينهم في الكلام ، وحنوا ظهورهم تطامنا عند الحوار ، خوفا من رمق العيون ، ومراجم الظنون ، لوقوع ما يتفاوضونه في أسماع المسلمين. فإذا
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.