والقوة ، وهي تقع عادة بين العشرين والثلاثين ، آتاه الله حكما وعلما ، وصوابا في الحكم على الأمور ، ومعرفة بمصائر الأحاديث وتأويل الرؤيا.
وهكذا أراد إخوة يوسف به أمرا ، وأراد الله له أمرا ؛ ولكن أمر الله غالب ، ومشيئته نافذة ، فقد زادت ثقة العزيز في يوسف ، وظهر له مكنون حزمه وعقله ، وأمانته ونزاهته ، فأدخله فيما بين نفسه وأهله ، وبوّأه مكان الأشراف الأحرار ، ووضعه من قلبه موضع الأبناء الأبرار.
يوسف وامرأة العزيز
نما يوسف وترعرع وبلغت سنه خمسا وعشرين سنة ، وصار أمينا في بيت العزيز. وكانت امرأة العزيز في سن الأربعين ، ولها سلطان الملك وقدرة الأمر والنهي ، وسيطرة النفوذ والجاه ؛ ولكن سلطان الحب قد ملك قلبها ، وسيطر على فؤادها.
وحاولت إغراء يوسف مستغلة فنون الإغراء كلها ، قال تعالى :
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [الآية ٢٣].
فكلمة (راودته) من راد يرود بالإبل إذا ذهب بها ، وجاء ؛ وهي تشير إلى فنون الأنثى مقبلة إلى فن ، مدبرة عن فن ، من فنون الإغراء الصامتة التي تحاول بها أن تثير يوسف ، فلما يئست من الصمت (غلّقت الأبواب) بتشديد اللام ، كأنها أرادت أن تجعل الأبواب حيطانا ، ثم عرضت نفسها على يوسف (وقالت هيت لك) : قد تهيأت لك راغبة فيك ؛ وهنا وقد خلعت المرأة ثياب الملك والعظمة والسيادة ، ولبست ثوب الإغراء والتولّه والرغبة ؛ وقف يوسف في عزّة وإباء وإيمان ، يقول ، كما ورد في محكم التنزيل :
(مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) [الآية ٢٣].
فالمرأة في العصور كلها أكثر عاطفة من الرجل وأكثر تديّنا وإيمانا ، وأكثر مراعاة لحرمة الزوجية ، وأكثر نفورا من الظلم.
ولهذا عمد يوسف إلى عاطفة الايمان بالله ، فقال : (مَعاذَ اللهِ) أستعيذ بالله من الفحشاء والمنكر ، إن زوجك أكرمني وجعلني أمينا على بيته