وعرضه ، فهل جزاء الإحسان إلّا الإحسان :
(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ).
وهناك عين الله التي ترى وتعلم السر وأخفى ، وهذا ظلم وعدوان ، وإنه (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢٣).
ولكن المرأة كانت قد صمّت أذنيها عن سماع كل موعظة ، وأغمضت عينيها عن رؤية الحق ، ولم يبق في ذهنها إلا فكرة واحدة في مكان .. في رجل .. فهمّت به صائلة عليه لتنتقم لنفسها وكرامتها ، أو لترغمه على طاعتها ، وهمّ بها ليضربها أو يقتلها دفاعا عن الفضيلة والشرف ، ولكن الله ألهمه أن الفرار خير من القتال ، والمسالمة خير من المواثبة ، وفتحت الأبواب أمامه فأسرع هاربا منها ، ولكنها عدت وراءه ، طمعا في تنفيذ رغبتها ، أو خوفا من افتضاح أمرها.
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) [الآية ٢٥].
ونتيجة جذبها له لترده عن الباب ، وقعت مفاجأة ، فقد كان العزيز يمرّ في تلك اللحظة ، فرأى يوسف واقفا وقميصه ممزّقا ، وكان موقفا يبعث على الرّيبة ويثير الاتهام ، فاتهمت المرأة يوسف ، بأنه راودها عن نفسها ؛ وهجم عليها في مخدعها ، ولا بدّ من سجنه ، أو إذاقته مرّ العذاب.
ولم يجد يوسف بدّا من وصف الواقع وإيضاحه ، فقال هي التي راودتني عن نفسي وجذبتني من ثوبي ، وهذا قميصي شاهد على صدقي ، وأمام تضارب الأقوال ، استدعى الملك ابن عمها وكبير أسرتها ، وكان فطنا لبيبا ، فسمع القضية من أطرافها ، وفطن لما وراء قصّتها فقال : إن كان قميصه قدّ من الأمام فذلك إذا من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها ، فهي صادقة وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قدّ من الخلف ، فهو إذا من أثر هروبه منها ، ومطاردتها له حتى الباب ، فهي كاذبة وهو من الصادقين.
فلما رأى الملك بعينه أن القميص قد مزّق من الخلف ، وضح الحق وظهرت براءة يوسف أمامه ، والتفت العزيز إلى امرأته وقال : إنّ هذا من كيد النساء ومكرهنّ ، فاستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ، وأنت يا يوسف أمسك لسانك عن الخوض في هذا الحديث ، واكتم أمره عن الناس أجمعين.