المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الرّعد» (١)
قوله تعالى : (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [الآية ٥]. و(جديد) استعارة. لأن أصله هاهنا مأخوذ من الجدّ ، وهو القطع. يقال : قد جدّ الثوب ، فهو جديد بمعنى مجدود. إذا قطع من منسجه ، أو قطع لاستعمال لابسه. والمراد ، والله أعلم ، إنّا لفي خلق جديد ، أي قد فرغ من استئنافه ، وأعيد الى موضع ثوابه وعقابه ، فصار كالثوب الذي قطع (٢) منسجه بعد الفراغ من عمله.
وقوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الآية ٦]. وهذه استعارة. والمراد بها مضيّ المثلاث ، وهي «العقوبات» للأمم السالفة من قبلهم ، وتقدّمها أمامها. وقولهم : خلت الدار. أي مضى سكانها عنها. وخلوا هم. أي مضوا عن الدار وتركوها. وقولهم : القرون الخالية ، أي الماضية.
والعقوبات على الحقيقة لم تمض (٣) ، وإنما مضى المعاقبون بها. فكأنهم ذكّروا بالعقوبات الواقعة قبلهم ، ليعتبروا بها.
وقوله سبحانه : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هكذا بالأصل ولعلّها. قطع من منسجه.
(٣). في الأصل : لم يمض وهو تحريف من الناسخ. والعقوبات هي المثلات التي قال الله فيها إنها قد خلت من قبلهم.