المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «إبراهيم» (١)
إن قيل : قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [الآية ٤] هذا في حق غير النبي (ص) من الرسل مناسب ، لأن غيره لم يبعث إلى الناس كافّة بل إلى قومه فقط ، فأرسل بلسانهم ليفقهوا عنه الرسالة ولا تبقى لهم الحجّة بأنا لم نفهم رسالتك. فأما النبي (ص) فإنه بعث إلى الناس كافّة ، قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف / ١٥٨] ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ / ٢٨].
فإرساله بلسان قومه إن كان لقطع حجّة العرب ، فالحجة باقية لغيرهم من أهل الألسن الباقية ، وإن لم يكن لغير العرب حجّة ، أن لو نزل القرآن بلسان غير العرب يكن للعرب الحجة.
قلنا : نزوله على النبي (ص) بلسان واحد كاف ، لأن الترجمة لأهل بقية الألسن تغني عن نزوله لجميع الألسن ، ويكفي التطويل كما جرى في القرآن العزيز. الثاني : أن نزوله بلسان واحد أبعد عن التحريف والتبديل ، وأسلم من التنازع والخلاف. الثالث : أنه لو نزل بألسنة كل الناس وكان معجزا في كلّ واحد منها ، وكلّم الرسول العربي كلّ أمة بلسانها كما كلم أمته التي هو منها لكان ذلك أمرا قريبا من القسر والإلجاء ؛ وبعثة الرسل لم تبن على القسر والإلجاء ، بل على التمكين من الاختيار ، فلما كان نزوله بلسان واحد
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.