المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «إبراهيم» (١)
قوله سبحانه : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥) وهذه استعارة. والمراد بها ـ والله أعلم ـ التذكير بأيام نقم الله التي أوقعها بالماضين ، كعاد وثمود ومن جرى مجراهم. وهذا كقولنا : أيام العرب. وإنما تريد به الأيام التي كانت فيها الوقائع المشهورة والملاحم العظيمة. وقد يجوز أن تكون الأيام هاهنا عبارة عن أيام النعم ، كما قلنا إنها عبارة عن أيام النقم. فيكون المعنى : فذكّرهم بالأيام التي أنعم الله فيها عليهم وعلى الماضين من آبائهم بوقم (٢) الأعداء ، وكشف اللّأواء (٣) ، وإسباغ النعماء. ألا ترى أن أيام العرب التي هي عبارة عن الوقائع يكون فيها لبعضهم الظهور على بعض ، فذلك من النّعم ، وعلى بعضهم السوء والدائرة ، وتلك من النقم؟ فالأيام إذن تذكرة لمن أراد التذكرة بالإنعام والانتقام.
وقوله سبحانه : (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [الآية ٩] وهذا استعارة ، على وجه واحد من وجوه التأويلات التي حملت عليها هذه الآية. وذلك أنّ يكون المعنى ما ذهب إليه بعضهم من أنّ الأيدي هاهنا عبارة عن حجج الرسل عليهمالسلام ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). وقم العدو : قهره وأذله ، ووقم الرجل : ردّه عن حاجته أقبح ردّ.
(٣). اللّأواء : ضيق المعيشة ، وشدّة المرض.