إنها دعت ، في الدرس السابق ، الى التوحيد ، ولفتت الأنظار الى قدرة الله البالغة وعلمه المحيط بكل شيء.
وهي ، هنا ، تسوق دليلا آخر على صدق عقيدة التوحيد ، وصدق رسالة محمد (ص) ، هذا الدليل هو إعجاز هذا القرآن وروعته وقوته. ويتجلى هذا الاعجاز فيما يلي :
١ ـ إخباره عن الأمم الماضية التي لم يعاصرها محمد (ص) ، ولم يعرف تاريخها ولم يقرأ عنها.
٢ ـ اشتماله على أصول التشريع ، وسياسة الخلق ، وقواعد الحكم ، وآداب المعاملة ، ونظام العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة.
٣ ـ إخباره عن أنباء لاحقة تأكّد صدقها ، وتحقّق وقوعها.
* * *
لقد ادّعى كفّار مكّة أنّ محمّدا (ص) قد اختلق القرآن من عنده ، ولم ينزل عليه من السماء ، فتحدّاهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات. أي ليختلقوا كما اختلق محمد (ص) ، فهم عرب مثله ، وهم أرباب الفصاحة والبيان ، والقرآن مؤلّف من حروف وكلمات وجمل يعرفونها ويؤلفون من مثلها كلامهم ، فالعجز عن الإتيان بمثل القرآن دليل على أنه ليس من صنع بشر ، وليس من افتراء محمد (ص) ، ولكنه كلام الله العليم الخبير.
وقد سمح لهم القرآن أن يستعينوا بمن شاؤوا ، من الشركاء والفصحاء والبلغاء والشعراء والإنس والجن ، ليشاركوهم في تأليف هذه السور ، قال تعالى :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٣).
وقد سبق أن تحدّاهم القرآن بسورة واحدة في سورة يونس ، فلما ذا تحدّاهم بعد ذلك بعشر سور.
قال المفسرون القدامى ، إن التحدي كان على الترتيب : بالقرآن كلّه ثم بعشر سور ، ثم بسورة واحدة.
ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل ، بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة ، وسورة هود لاحقة والتحدي فيها بعشر سور.
وترتيب الآيات في النزول ليس من