ومعنى «تشيع» تنتشر وتكثر ، ومنه قولهم : شاع الحديث. إذا ظهر بين الناس.
والفاحشة : هي الصفة البالغة أقصى دركات القبح ، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك.
وهي صفة لموصوف محذوف. أى : الخصلة الفاحشة ، والمقصود بمحبة شيوعها : محبة شيوع خبرها بين عامة الناس.
والمعنى : إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين ، وفي شأنهم ، لكي يلحقوا الأذى بهم ، هؤلاء الذين يحبون ذلك «لهم» بسبب نواياهم السيئة «عذاب أليم في الدنيا» كإقامة الحد عليهم ، وازدراء الأخيار لهم ، ولهم ـ أيضا ـ عذاب أليم «في الآخرة» وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا.
«والله» تعالى وحده «يعلم» ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال «وأنتم» أيها الناس ـ «لا تعلمون» إلا ما كان ظاهرا منها ، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ، واتركوا بواطنهم لخالقهم ، فهو ـ سبحانه ـ الذي يتولى محاسبتهم عليها.
فالآية الكريمة يؤخذ منها : أن العزم على ارتكاب القبيح ، منكر يعاقب عليه صاحبه ، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش في صفوف المؤمنين ، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، لأن الله ـ تعالى ـ علق الوعيد الشديد في الدارين على محبة انتشار الفاحشة في الذين آمنوا.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ المؤمنين بفضله عليهم مرة أخرى ، لكي يزدادوا اعتبارا واتعاظا فقال (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
وجواب «لو لا» محذوف ، كما أن خبر المبتدأ محذوف ، والتقدير : ولو لا فضل الله عليكم ، ورحمته بكم موجودان ، لعاجلكم بالعقوبة. ولكنه ـ سبحانه ـ لم يعاجلكم بها ، لأنه شديد الرأفة والرحمة بعباده ، ولو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك عليها من دابة.
ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ..).
والخطوات : جمع خطوة. وهي في الأصل تطلق على ما بين القدمين. والمراد بها هنا : طرقه ومسالكه ووساوسه ، التي منها الإصغاء إلى حديث الإفك ، والخوض فيه. وما يشبه ذلك من الأقوال الباطلة ، والأفعال القبيحة.
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، احذروا أن تسلكوا المسالك التي يغريكم بسلوكها