لا يخفى علينا شيء من تصرفاتهم ، ولأننا أعلم بهم من أنفسهم ، وسنحاسبهم على ما يصنعون في دنياهم ، يوم القيامة.
ثم أرشد ـ سبحانه ـ النساء إلى ما أرشد إليه الرجال فقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها).
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ للمؤمنات ـ أيضا ـ بأن الواجب عليهن أن يكففن أبصارهن عن النظر إلى ما لا يحل لهن ، وأن يحفظن فروجهن عن كل ما نهى الله ـ تعالى ـ عنه ، ولا يظهرن شيئا مما يتزين به ، إلا ما جرت العادة بإظهاره. كالخاتم في الإصبع ، والكحل في العين ... وما يشبه ذلك من الأمور التي لا غنى للمرأة عن إظهارها.
ومع أن النساء يدخلن في خطاب الرجال على سبيل التغليب ، إلا أن الله ـ تعالى ـ خصهن بالخطاب هنا بعد الرجال ، لتأكيد الأمر بغض البصر ، وحفظ الفرج ، ولبيان أنه كما لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ـ إلا في حدود ما شرعه الله ـ فإنه لا يحل للمرأة كذلك أن تنظر إلى الرجل ، لأن علاقتها به ، ومقصده منها كمقصدها منه ، ونظرة أحدهما للآخر ـ على سبيل الفتنة وسوء القصد ـ يؤدى إلى ما لا تحمد عقباه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) بيان لكيفية إخفاء بعض مواضع الزينة بعد النهى عن إبدائها.
والخمر ـ بضم الخاء والميم ـ جمع خمار. وهو ما تغطى به المرأة رأسها وعنقها وصدرها ، والجيوب جمع جيب ، وهو فتحة في أعلى الثياب يبدو منها بعض صدر المرأة وعنقها.
والمراد به هنا : محله وهو أعلى الصدر ، وأصله : من الجب بمعنى القطع.
أى : وعلى النساء المؤمنات أن يسترن رءوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن ، حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شيء من ذلك.
قالوا : وكان النساء في الجاهلية يسدلن خمرهن من خلف رءوسهن ، فتنكشف نحورهن وأعناقهن وقلائدهن ، فنهى الله ـ تعالى ـ المؤمنات عن ذلك.
ولقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث ، منها : ما رواه البخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول ـ لما أنزل الله ـ تعالى ـ : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) أخذن أزرهن فشققنها فاختمرن بها.
وفي رواية أنها قالت : إن لنساء قريش لفضلا ، وإنى ـ والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ، ولا إيمانا بالتنزيل ، لما نزلت هذه الآية. انقلب إليهن