رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته ، وعلى كل ذي قرابة ، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها ـ وهو كساء من صوف ـ فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه ، فأصبحن وراء رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صلاة الصبح معتجرات كأن رءوسهن الغربان» (١).
والمقصود بزبنتهن في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) الزينة الخفية وهي ما عدا الوجه والكفين ، كشعر الرأس والذراعين والساقين.
فقد نهى الله ـ تعالى ـ النساء المؤمنات عن إبداء مواضع الزينة الخفية لكل أحد ، إلا من استثناهم ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، وهم اثنا عشر نوعا ، بدأهم بالبعول وهم الأزواج لأنهم هم المقصودون بالزينة ، ولأن كل بدن الزوجة حلال لزوجها.
أى : وعلى النساء المؤمنات أن يلتزمن الاحتشام في مظهرهن ، ولا يبدين مواضع زينتهن الخفية إلا «لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن» فهؤلاء الأصناف السبعة الذين ذكرهم الله ـ تعالى ـ بعد الأزواج ، كلهم من المحارم الذين لا يحل للمرأة الزواج بواحد منهم ، وقد جرت العادة باحتياج النساء إلى مخالطتهم ، كما جرت العادة بأن الفتنة مأمونة بالنسبة لهم ، فمن طبيعة النفوس الكريمة أنها تأنف من التطلع إلى المحارم بالنسبة لها. ويلحق بهؤلاء المحارم الأعمام والأخوال والمحارم من الرضاع. والأصول وإن علوا ، والفروع وإن سفلوا.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَوْ نِسائِهِنَّ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ، أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) بيان لبقية الأفراد الذين يجوز للمرأة أن تبدى زينتها الخفية أمامهم.
أى : ويجوز للنساء المؤمنات أن يبدين زينتهن ـ أيضا ـ أمام نسائهن المختصات بهن بالصحبة والخدمة ، وأمام ما ملكت أيمانهن من الإماء لا من العبيد البالغين ، وأمام الرجال التابعين لهن طلبا للإحسان والانتفاع ، والذين في الوقت نفسه قد تقدمت بهم السن ، ولا حاجة لهم في النساء ، ولا يعرفون شيئا من أمورهن ، ولا تحدثهم أنفسهم بفاحشة ، ولا يصفونهن للأجانب.
فقوله ـ سبحانه ـ : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) أى : غير ذوى الحاجة من الرجال في النساء يقال : أرب الرجل إلى الشيء يا رب أربا ـ من باب تعب إذا احتاج إليه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٩.